رمضان هذا العام في غزة ليس كأي رمضان. ليس هناك زينة تضيء الشوارع ولا أصوات الأطفال تعلو فرحا بمدفع الإفطار ولا موائد يجتمع حولها الأهل والأحبة. هناك فقط صمت الموت، وضجيج الطائرات، ودخان يعلو في السماء كأنما يحجب نور القمر عن مدينة تعيش ليلا أبديا.
تحت القصف لا يملك الصائمون رفاهية الدعاء قبل الإفطار، فهم لا يعرفون إن كانوا سيصلون إليه. لا أحد يشغل باله بموعد السحور ، فالقنابل التي تمطر المدينة لا تعترف بمواقيت الصلاة ولا بمواسم الرحمة. غزة في رمضان هي لوحة سوداء رسمها الاحتلال بدم الأبرياء بينما العالم يراقب في صمت ، كأنه فقد القدرة على الغضب أو حتى الدهشة.
الأسواق التي كانت تمتلئ قبل رمضان بأصوات الباعة وزحام المتسوقين أصبحت الآن أطلالًا. المساجد التي كانت تضج بتراتيل القيام باتت مهدمة على رؤوس من احتموا بها طلبا للأمان. البيوت التي كانت تمتلئ بالسهر والسمر أصبحت حكايات عن ماضٍ لم يعد موجودًا.
الأرقام تتزايد لكن كل رقم هو إنسان، هو أسرة، هو قصة لم تكتمل. بين طفل يبحث عن أمه تحت الركام وشيخ يحاول أن يقيم صلاته وسط الأنقاض ، وأم تبكي ولدها الشهيد هناك شعب يمضي في طريقه، لا يستسلم، لا يرفع الراية البيضاء، رغم أن السماء لا تمطر إلا الموت.
الاحتلال يريد أن يجعل من غزة مدينة بلا حياة ، لكنه لم يدرك بعد أن غزة ليست مجرد مدينة، بل فكرة والفكرة لا تموت. سكانها يحملون أرواحهم على أكفهم ويمضون في يومهم كما لو كانوا خالدين وكأنهم يريدون أن يقولوا للعالم: نحن هنا وسنبقى هنا حتى لو رحل الجميع.
في رمضان حين يتجمع المسلمون حول العالم حول موائدهم في انتظار الأذان هناك في غزة من يفطرون على فقدان أحبتهم، ومن ينامون تحت السماء بلا سقف ومن يتوضؤون بدموعهم. لكن رغم ذلك حين تسمع صوت التكبير من مئذنة بقيت صامدة وسط الدمار تفهم أن غزة لم تنكسر. فقد تخسر مدينة مبانيها، لكن لا يمكن أن تخسر روحها.
غزة ليست مجرد مكان بل درسٌ في الصبر ورمزٌ للمقاومة، وشاهدٌ على خذلان العالم. هي الوجه الحقيقي للإنسانية في أقسى صورها حيث يصبح الصيام ليس فقط عن الطعام ، بل عن الخوف، واليأس، والاستسلام. في رمضان بينما يطلب المسلمون المغفرة يطلب أهل غزة فقط أن تتوقف السماء عن إسقاط النار. لكنهم رغم كل شيء لا يزالون يصومون، لا يزالون يصلون ، لا يزالون يؤمنون بأن الفجر آتٍ، ولو بعد حين.