تحدثنا في مقالات سابقة عن أهمية توفير البيئة الأسرية والمجتمعية اللازمة لتنمية العقل السليم. باعتبار أن العقل السليم هو الطريق للتفكير السليم واتخاذ القرارات الرشيد التي تصلح حال الأفراد والمجتمعات . والتفكير السليم لا يتوقف فقط على العقل السليم ولكنه يرتبط أيضا بطريقة التفكير وضوابطه ، ومن أهم هذه الضوابط الاعتراف بالخطأ وعدم الغرور والعجب بالرأي خاصة من جانب العلماء والمفكرين . العجب كما يصفه الدكتور السيد محمد نوح في كتابه ( آفات على الطريق ) : ” هو الإحـســـاس بالتمـيز، والافتخار بالنفس، والفرح بأحوالها، وبما يصدر عنها من أقوال وأفعال، محمودة أو مذمومة “، والاخطر ان يصل العجب بالرأي الى التحقير من آراء الاخرين . وللأسف نجد في حياتنا العملية مواقف كثيرة يتبادل فيها العلماء والمفكرين الاتهامات.
وهنا أذكر هؤلاء وغيرهم بشعار الإمام الشافعي يرحمه الله : ” رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”. وبقول الدكتور محمد سعيد خبير التنمية البشرية : ” إذا أردنا أن نتجِه نحو التفكير السليم يجب علينا أولاً أن يكون لدينا القابلية لتعديل أفكارنا، والاعتراف بالخطأ ، لا سيما وأن نسبة من لديهم القدرة على التفكير السليم في العالم كله قد لا تتعدى الـ: 5% ، وإن تغيير الإدراك للأشياء وتغيير الصورة النمطية عنها يعد 50 % من الفهم والعلاج، وتصحيح مسار الأفكار”.
وأتفق تماما مع الرؤى التي تؤكد أن الاطار الأخلاقي الإيجابي يعتبر أهم ضوابط التفكير السليم، ويعني ان يلتزم المفكر بالقيم النبيلة ، وتقديم الفكر والابتكار والابداع النافع لمجتمعه وللانسانية جمعاء في الحاضر وفي المستقبل. وفي دراسة للباحث أحمد ابراهيم عصر بعنوان (التفكير السليم أساس تقدم المجتمعات والأمم) نقل عن الدكتور محمد الشيخ استاذ الطب النفسي قوله :” أن الأخلاق تعد من أهم وأكبر المقوِمات والأسس التي يجب أن تتوافر في الشخص الذي يريد أن يرقى بفِكره إلى آفاق عالية، خاصّة أن كل إنسان مولود بفِطرته وميله للقيم والأخلاق الكريمة”.
وحتى لا يصاب العالم أو المفكر بالشطط أتفق مع ما دعا اليه الدكتور الشيخ بضرورة “أن يكون على القدر الكافي من المعرفة بأمور دينه، ما يمنعه من الوقوع في أي خطأ أو محظور، ويكون لديه القدرة على التفرقة بين ما هو معول هدم له ولمجتمعه وما هو معول بناء”.
وبالتزامنا بالتفكير السليم والأخذ بضوابطه ستختفى من مجتمعنا شخصية معروفة للجميع ومنتشرة في كل شارع وفي كل حي ، وفي كل مؤسسة أو إدارة حكومية ، وتجدها في المدن وفي القرى وهي شخصية “ابو العريف ” التي أضرت كثيرا ببلدنا والذي يدعى الفهم في كل شئ ويتحدث في كل شئ بغير علم . وأفضل وصف لهذه الشخصية جاء على لسان الطبيب الكاتب حسن أحمد عمر بقوله :” فهو الذكى الألمعى الشديد الذكاء وهو الوقور الطيب الصابر على البلاء يسير فى كل مأتم ويأكل فى كل عرس ويحضر كل زفاف ويصفق لكل عروسين ويبكى فى كل جنازة ويزغرد فى كل حفل ويرقص فى كل مولد وله ملابس لكل مناسبة فكأنه ألف إنسان بألف وجه بألف جسم بألف رأى بألف فكر بألف دين بألف إتجاه بألف سليقة بألف هدف بألف حلم بألف أمل”.