تعد القضية الإيرانية من القضايا الحاكمة فى طبيعة العلاقات الإقليمية وتشابكاتها الدولية سواء على مستوى العلاقات الأمريكية الخليجية أو الخليجية العربية الايرانية,فحرص السياسة الإيرانية التى إنطلقت مع الثورة الايرانية التى أطاحت بحكم الشاه محمد رضا بهلوى عام 1979 على إتباع إستراتيجيات للتمدد الإقليمي الايدولوجى فى المنطقة العربية ,وزاد هذا المسعى بعد خروج العراق من المعادلة الأمنية عام 2003 ,وقد استخدمت إيران أدوات كثيرة لدعم نفوذها الإقليمي تمثلت أهمها فى إستغلال واقع ظروف الدول العربية الأمنية الداخلية لتدعيم النفوذ والتواجد الشيعى داخلها ولا سيما فى العراق ولبنان واليمن وسوريا وبعض دول الخليج العربى وغيرها,والأداة الأخرى تمثلت فى تدعيم قوتها العسكرية سواء بتنمية القدرات التسليحية والبشرية أو بتدعيم الجماعات الإقليمية التابعة لها بالسلاح والتدريب والدعم اللوجستى ,وخلق هذه التحرك تواجد للنفوذ الايرانى فى بعض القضايا العربية مثل القضية الفلسطينية من خلال حركة حماس وبعض الفصائل الأخرى,ولبنان من خلال حزب الله ,واليمن من خلال جماعة عبد الله الحوثى وغيرها,وإستمرار التدخل فى منطقة الخليج العربى التى تعتبره خليجاً فارسيا ويمثل مجال نفوذها الطبيعى وإستمرار إحتلالهالجزر الإمارات الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى,وساهم ذلك الأمر فى خلق مناخ أمنى مضطرب فى بيئة تحتل دائرة الإهتمام من قبل القوى الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا حرصاً على مصالحها فيما يتعلق بأمن الطاقة والممرات البحرية.
هذا المسعى الإيرانى لإمتلاك القوى فى المنطقة من خلال تطوير أنظمة الصواريخ لديها,والسعى لامتلاك السلاح النووى ,أحدث إختلال فى موازين القوى فى المنطقة تبعة تغير فى الإستراتيجة الأمريكية تجاه المنطقة.
فرغم توقيع إيران على العديد من المعاهدات والبرتوكولات لحظر أسلحة الدمار الشامل كان أخرها عام 1996 بحظر التجارب النووية وعام 1997 بحظر امتلاك الاسلحة الكيماوية ,سعت إيران الى تطوير قدراتها النووية بما يؤهلها فى فترة وجيزة من إمتلاك السلاح النووى ,والذى قد يفتح الباب على مصراعية فى المنطقة لسباق تسلح تقليدى وغير تقليدى قد يجر المنطقة والعالم الى مواجهة عسكرية شاملة .
فتوقيع الاتفاق النووي الإيراني مع القوى الكبرى (5+1) عام 2015 ,لم يعطى الضمانات الكافية لتحقيق التوازن في المنطقة ومثل ذلك الاتفاق محور التحول فى العلاقات الايرانية الغربية والايرانية الخليجية بعد التحول فى دور الولايات المتحدة التى أتبعت سياسة الاحتواء فى ظل عهد الريس أوباما بالحرص على التدخل فى الاتفاق من أجل إتمامه,ثم التحول عن سياسة الإحتواء الى سياسة تقليم الأظافر بإعلان إدارة الرئيس ترامب التراجع عن الاتفاق بل وحث الدول الأوربية الموقعة على التراجع عنه ,لأنه لا يمثل ضمانه كافية للحد من مساعى إيران لامتلاك التهديد الاقليمى وبخاصة فى مجال تطوير قدراتها الصاروخية.
والتوترات الأخيرة تأتى فى إطار محاولات الولايات المتحدة إعادة التوزان المفقود الى منطقة الخليج فى ظل مساعى قوى إقليمية مثل إيران وتركيا السيطرة على أمن المنطقة ,وتقديم نفسهما كحارس أو وكيل لحماية المصالح الغربية فى المنطقة ,ويضع هذا الأمر على كاهل دول الخليج العربى ضرورة تدعيم القوة الذاتية من أجل إعادة التوزان بدلاً من الإعتماد على القوى الدولية التى تتحرك وفق مصالحها .