“القرآن الكريم كلف المسلمين بمهمة تاريخية، تتمثل في خلق مجتمع عادل يحظى كل أفراده بنفس القدر من القيمة والاحترام . واستطاع المسلمون على امتداد تاريخهم أن يطوروا مناهجهم الخاصة في مواجهة الأحداث السياسية في المجتمع الإسلامي”. وردت هذه الشهادة المنصفة في كتاب ( التحول الكبير ) للباحثة البريطانية الدكتورة كارين أرمسترونج. وهي شهادة معتبرة من باحثة متخصصة في علم مقارنة الأديان، ومقولة حق من راهبة سابقة ولدت في أسرة كاثوليكية في نوفمبرعام 1944. والتساؤل الهام هل يتذكر المسلمين حاليا هذه المهمة التاريخية؟!.
وأكدت في لقاء تليفزيوني بثته فضائية النهار ان حل مشاكل العالم الاقتصادية يتمثل في تطبيق ما نزل به القرأن الكريم قائلة :” أن حجر الأساس في دعوة القرآن الكريم هو أن يدعوك لتقاسم ثروتك مع الغير بدلا من الاستئثار بها لنفسك ، وان تراعي كل محتاج وفقير في المجتمع ، هذا هو الواجب الرئيسي لكل فرد مسلم “، واستشهدت في حديثها بالآيات 24 و25 من سورة المعارج (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ). وهنا لا بد من تساؤل: كم عدد المسلمين في العالم يعلمون هذا الواجب الرئيسي ؟ّ! وكم عدد من يلتزمون بتطبيقه ؟!.
بدأت الباحثة البريطانية كارين رحلتها في التعرف على الإسلام عندما وصلت إلى القدس المحتلة عام 1984 بتكليف من القناة البريطانية الرابعة لإعداد وتقديم فيلم وثائقي تلفزيوني عن حياة القديس بولس .
وأثناء إقامتها بالقدس تعرفت على الإسلام من خلال سلوكيات مسلمي القدس البسيطة وحرصهم على إظهار شعائرهم الإسلامية، وتغيرت في ذهنها الصورة النمطية التي سوقها المغرضون في الغرب عن الإسلام والمسلمين، ووصفت هذه الزيارة بأنها “تجربة اختراق” أدت إلى تغيير افتراضاتها السابقة وقدمت مصدر إلهام لكل أعمالها اللاحقة .
وبعد تلك الزيارة بحوالي 12 عاما صدرت كتابها (القدس مدينة واحدة وثلاثة معتقدات) في سنة 1996، الذي ترجم إلى العربية، ويعتبر شهادة منصفة عن تاريخ المدينة وخاصة عن الفتح الإسلامي لها، الذي وصفته قائلة بأنه : ” الفتح الأرقى والأكثر احتراما لعقائد السلف وحقوق السكان المحليين، في سياق ما تعاقب على هذه المدينة المقدسة من احتلالات وصراعات في تاريخها الدموي الطويل “.
وبعد تفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر عام 2001 تزايدت الهجمة الشرسة على الإسلام ، فتصدت كارين لتلك الهجمة وأصدرت كتاب ( الاسلام موجز تاريخي ) دحضت فيه التصورات الخاطئة عن الإسلام وساعدت على بناء وجهة نظر معتدلة عن الإسلام . وحظي الكتاب باهتمام الكونجرس الأمريكي ( البرلمان ) وتبنى توزيعه لنشر المفاهيم الصحيحة عن الإسلام.
كما تصدت كارين لهجمة الصليبيين الجدد على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وأصدرت بعد تفجيرات 11 سبتمبر بشهر واحد كتابها القيم ( محمد نبي لزماننا ) قالت فيه :” يكفي هذا الرجل أنه استطاع توحيد قبائل متناثرة غارقة في الثأر والتناحر وعادات وأد البنات، ليجعل منهم قوة صنعت أكبر إمبراطورية في العالم، ونشرت ديناً لم يرتد الناس عنه بعد خروج العرب من بلادهم”. وهو كتابها الثاني دفاعا عن النبي حيث سبق وأن اصدرت كتابا بعنوان (محمد.. سيرة حياة ) قالت فيه :” علينا أن نتمثل جميعًا شخصية النبيّ محمد في تعاملنا مع الناس”.
بارك الله في عمر الدكتورة كارين أرمسترونج التي كرست جل عمرها البالغ 75 عاما لقول الحق وإنصاف الإسلام ورسوله وأهله سواء بنشر الكتب او بالقاء المحاضرات أو بكتابة المقالات الصحفية رغم أنها لم تسلم.