“لدي احساس بأنني كنت مسلمة طوال حياتي. ولم أعرف الإسلام إلا عندما قرأت القرآن الذي أجاب على العديد من تساؤلاتي في الحياة”.تلك شهادة الأديبة الروسية الدكتورة فاليريا بوروخوفا صاحبة أدق وأبلغ ترجمة لمعاني القرآن الكريم الى اللغة الروسية. وهي شهادة معتبرة صادرة على لسان أديبة تخرجت من معهد اللغات الأجنبية، وكلية الفلسفة بجامعة موسكو ، وحاصلة على عضوية اتحاد الكتاب الروس وعضوية عدة أكاديميات أدبية وعلمية في روسيا ودول آسيا الوسطى الإسلامية، وحازت على ميدالية “في سبيل الوحدة الدينية” من الإدارة الدينية لمسلمي الإقليم الأوروبي في روسيا.
ولدت فاليريا في أسرة مسيجية روسية عام 1940 في موسكو ، واضطرت أ سرتها للهجرة الى احدى الاقاليم الروسية ( آسيا الوسطى حاليا ) خوفا من مطاردة الدكتاتور ستالين ، وعايشت الاسر المسلمة عن قرب ولفت نظرها تسامحهم في معاملة الاخرين من اصحاب الديانات الاخرى ، والمحبة والود في التعامل فيما بينهم. وتعرفت هناك على الداعية الاسلامي السوري الدكتور محمد سعيد الرشد وتزوجت منه عام 1975 ، ثم أسلمت على يديه وحرصت على أن تحمل اسم ( إيمان ) وبعده الزواج بحوالي 6 سنوات انتقلت الى دمشق عام 1981 لتتعلم اللغة العربية وتعيش الأجواء العربية. وعندما تعمقت في فهم اللغة العربية تذوقت المعاني السامية للقرآن الكريم قالت :”عاهدت نفسي أن لا أرحل عن هذه الدنيا قبل أن أقدم لأهل بلدي الروس تلك المعاني السامية للقرأن الكريم ” فشرعت في ترجمة معاني القرآن الكريم الى اللغة الروسية واستمرت إقامتها في دمشق 10 سنوات حتى أكملت الترجمة عام 1991 بمساعدة زوجها د.محمد الرشد.
يقول الباحث شاكر نوري في دراسة نشرت في جريدة الاتحاد الاماراتية أنها أكدت إنبهارها بالقرآن الكريم قائلة :” أن النص الكريم لم يتغير عبر أربعة عشر قرنا من الزمان “. واضاف أعربت إيمان فاليريا عن دهشتها من وجود 106 ترجمات للقرآن من العربية إلى الإنجليزية، بينما لم يكن في اللغة الروسية سوى 8 ترجمات. وكان هدفها تقديم ترجمة دقيقة بأسلوب سهل.
وأوضحت الدراسة أن فاليريا ذهبت بنفسها بعد ترجمتها للقرآن إلى الأزهر الشريف من أجل الحصول على اعتراف بعملها وتوثيقه، فشكل شيخ الأزهر في ذلك الوقت الدكتور جاد الحق علي جاد الحق لجنة من خمسة أشخاص: ثلاثة عرب وروسيَان مسلمان يعرفون اللغتين بشكل جيد لمراجعة الترجمة وحصلت على موافقة الازهر عام 1997 بعد مراجعة استمرت عدة سنوات. لتكون أدق وأبلغ ترجمة تفسيرية لمعاني القرآن الكريم باللغة الروسية بشهادة جميع الإدارات الدينية في روسيا وآسيا الوسطى .
وقالت دار أمازون وهي أكبر دار نشر عالمية عن هذه الترجمة: “إنها ترجمة بليغة للقرآن قامت بها فاليريا بوروخوفا بعناية كبيرة، حافظت على جماله وروعته ورصانته، وبأسلوب قل نظيره أولت خلاله أهمية كبيرة لمعاني القرآن ومحتواه الثقافي”. كما تم ترشيح ترجمتها للقرآن لجائزة أفضل كتاب في روسيا لعام 1998. واستحقت عن جدارة لقب ” فارسة القرأن في روسيا” .
رحم الله الدكتورة إيمان فاليريا بوروخوفا التي توفيت في موسكو يوم الأثنين الماضي 2 سبتمبر 2019 عن عمر ناهز 79 سنة قضت معظمها في خدمة الإسلام والمسلمين في روسيا وفي كل دول آسيا الوسطى، وساهمت ترجمتها ومحاضراتها في زيادة معرفة المسلمين الروس بالإسلام وفي إعتناق مسلمون جدد لهذا الدين الحنيف.