“اليوم الذي لا اشتغل فيه .. اعتبر نفسي في عقاب.. فأشعر اني عوقبت”. قائل تلك العبارة القيمة هو شيخ المعماريين المصريين الدكتور مهندس محمد كمال اسماعيل الذي كان يعتقد أن العمل هو سر الحيوية والنشاط للإنسان. وطبق مقولته على نفسه فقد صمم وأشرف على تنفيذ أكبر وأهم توسعة في تاريخ الحرمين الشريفين ، الحرم المكي والحرم النبوي وهو في سن 75 عاما من عمره
ولعل في أقواله وأفعاله ما يحفز ملايين الشباب الذين يفنون أعمارهم في عزلة أمام الانتر نت في مشاهدة مواقع التواصل وداخل غرف ” الشات”. أو يتسكعون على المقاهي لسنوات في انتظار فرصة عمل مريحة تدر دخلا كبيرا بأقل مجهود . ولعل في أقوال المهندس محمد كمال درس أيضا لكثير من المسنين الذين يظنون أن الحياة تتوقف بعد بلوغهم سن الستين ( التقاعد ). ويتناسون أن ديننا الحنيف يدعونا للعمل الصالح وإعمار الارض حتى اخر نفس طالما منحنا الله المقدرة. وهنا نذكرهم وأنفسنا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح :” إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا”.
ولد المهندس محمد كمال اسماعيل في 15 سبتمبر 1908 بمدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية، ودرس الابتدائية في مدارس المدينة، بعدها انتقلت أسرته إلي مدينة الإسكندرية وهناك أكمل تعليمه الثانوي في مدرسة العباسية، ثم توجه إلى القاهرة للالتحاق بجامعة فؤاد الأول لدراسة الهندسة ، فكان أصغر أفراد دفعته التي لم يتعد عددها 7 دارسين.
وأظهر تفوقا دراسيا ونبوغا علميا منذ صغره ،ووصفته موسوعة ويكيبيديا للمعلومات قائلة :” كان أصغر من حصل على الثانوية في تاريخ مصر، وأصغر من دخل مدرسة الهندسة الملكية ، وأصغر من تخرج فيها، وأصغر من تم ابتعاثه إلى أوروبا للحصول على شهادة الدكتوراه في العمارة، فكان أصغر من يحمل لقب دكتور في الهندسة وكان أيضا أصغر من حصل على وشاح النيل ورتبة البكوية .كما كان أول مهندس مصري يحل محل المهندسين الأجانب في مصر .
وفي عام 1982م وقع اختيار ملك السعودية الملك فهد بن عبد العزيز على المهندس كمال ليصمم ويشرف على تنفيذ توسعة الحرمين الشريفين . وجاء الاختيار بعد اطلاع الملك على موسوعته مساجد مصر في أربع مجلدات ، والتي عرض فيها تصميمات المساجد المصرية وطرزها وسماتها المعمارية التي تعبر كل منها عن مرحلة من مراحل الحضارة الإسلامية.
ويقول الدكتور علي رأفت، أستاذ العمارة بجامعة القاهرة :”عشق أستاذنا دكتور محمد إسماعيل، العمارة الإسلامية التي كان يحب اللجوء الي عناصرها في تصميماته رغم تنوع ثقافته الهندسية التي استقاها من مدارس معمارية عدة، وإختياره لتصميم والإشراف علي تنفيذ التوسعات الأخيرة بالحرمين، نابعاً من سمعته التي اشتهر بها واستندت علي العلم الواسع بالمساجد في عصورها المختلفة”.
وستظل قصة رخام الحرمين الشريفين شاهدا حيا على عبقريته الهندسية على اخلاصه في خدمة الحرمين الشريفين والعمل على راحة الحجاج والمعتمرين. حيث أراد وضع رخام في أرضية الحرم للطائفين يمتص الحرارة والروائح الكريهة، وكان هذا الرخام من نوع “التاسوس” ويوجد في جبل صغير باليونان، فذهب لليونان وتعاقد على شرائه للحرم المكي، وبعدها بسنوات قام برحلة شاقة بين اليونان والمملكة لاستيراد رخام مماثل لأرضية الحرم النبوي. ورغم ذلك رفض تقاضي الملايين مقابل تعبه وقال: “آخذ مال على الحرميين الشريفين!.. أين أودي وجهي من ربنا”.
رحم الله الدكتور مهندس محمد كمال اسماعيل الذي توفي في أغسطس عام 2008 عن عمر يقترب من 100 عام ، وترك لنا أعمالا شهيرة اخرى اهمها مجمع التحرير ودار القضاء العالي ومسجد صلاح الدين بمنيل القاهرة.
Aboalaa_n@yahoo.com