“بفضل الإسلام أدرك الإنسان آخر الأمر مكانته الرفيعة، لقد هوى الكهان وحفظة الألغاز المقدسة الزائفون، وسماسرة الخلاص، وجميع أولئك الذين تظاهروا بأنهم وسطاء بين الله والإنسان، إن الإنسان أمسى عبداً لله وحده، وأعلن محمد باسم الإسلام المساواة بين البشر”. تلك شهادة حقة من المفكرة الإيطالية الدكتورة لورا فيشيا فاغليري (1893 – 1989 ) استاذة اللغة العربية والتاريخ الإسلامي في جامعة نابولي ومديرة قسم الدراسات والأبحاث حول إفريقيا والدول العربية في المعهد الجامعي شرقي نابولي في كتابها القيم ( دفاع عن الاسلام ) الذي اصدرته باللغة الايطالية عام 1925 وترجم الى الإنجليزية ثم الى العربية .
وقد وصف المفكروالسياسي الباكستاني محمد ظفر الله خان هذا الكتاب في مقدمة ترجمته من الإيطالية إلى الإنجليزية أنه “كتاب بالغ النفاسة اعتمدت المؤلفة في كتابته على علم غزير وإخلاص عميق وحسن تفهم مما جنبها مزالق الضلال”. ووصف الباحث محمد صلاح المستاوي الكتاب بأنه قراءة متجرّدة للإسلام وسيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
لقد ردت فاغليري بكل قوة في كتابها على افتراءات كثيرة أثارها أعداء الإسلام ، ومنها زعمهم بأن الاسلام انتشر بحد السيف وقالت في كتابها القيم :”لقد كانت الحرب دائما وسيلة لحماية الدين الجديد وتعظيمه لا غاية في حد ذاتها كانت دفاعا ضروريا لا عدوانا جائرا وقد عبر القرآن عن هذه الفكرة بأجلى بيان في الآية 190 من سورة البقرة :” وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ “.
واكدت المفكرة الإيطالية أن انتشار الاسلام جاء بالتسامح وقالت في كتابها :” كان النبي محمد المتمسك دائما بالمبادئ الألهية شديد التسامح وبخاصة مع أتباع الديانات الموحدة وعرفنا انه كان يتذرع بالصبر مع الوثنيين “. واستشهدت بآيات القرآن الكريم التي اكدت عدم الاكراه في الدين ومنها الآية 256 من سورة البقرة : ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “. واستشهدت أيضا بالآية 29 من سورة الكهف ” وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ “.
ونبهت الدكتورة فاغليري في كتابها القيم المسلمين الى طريق النهضة من جديد وذلك بالعودة الى الإلتزام بدستورهم الإلهي القرآن الكريم قائلة : “الى الكتاب العزيز الذي لم يحرفه قط لا أصدقائه ولا أعداؤه ، ذلك الكتاب الذي لا يبليه الزمان والذي لا يزال إلى اليوم كعهده يوم أوحي الله به الى الرسول الأمي البسيط ، إلى هذا المصدر الصافي دون غيره سوف يرجع المسلمون حتى إذا نهلوا مباشرة من معين هذا الكتاب المقدس فعندئذ يستعيدون قوتهم السابقة من غير ريب”.
ودحضت فاغليري في كتابها اتهاما آخر يوجهه الأعداء إلى الإسلام، وهو أنه وعد أصحابه بجنة حسية ذات حور عين وأنهار من لبن وعسل ، قائلة : ” أن مثل هذه الاتهامات تَنسى أنه لم يكن في ميسور أبناء الصحراء أن يفهموا وعودًا بمكافآت روحية مُرهفة إلى أبعد الحدود، لقد كان من الضروري إعطاؤهم وصفا واقعيا للجنة، وصفا يكاد يكون ملموسا، وفي كلمات يسيرة، وما كان ممكنًا”.
وردا فاغليري ايضا على الافتراءات التي اثارها الأعداء حول زيجات الرسول قائلة :” لم يتزوج محمد في شبابه إلا من امرأة واحدة، هي خديجة التي كانت سنها أعلى من سنه بكثير، وأنه ظل طوال خمس وعشرين سنة زوجها المخلص المحب، ولم يتزوج مرة ثانية، وأكثر من مرة، الا بعد أن توفيت خديجة، وبعد أن بلغ الخمسين، وباستثناء عائشة، تزوج محمد من نسوة لم يكن لا عذارى، ولا شابات، ولا جميلات، فهل كان ذلك شهوانية؟”.
وأبرزت الدكتورة لورا في كتابها الثاني (محاسن الاسلام ) قوة ديننا الحنيف وتاثيره على البشرية قائلة :” تفجَّر ينبوع ماء عذب في واد غير ذي زرعٍ، ذلك الينبوع هو الإسلام الذي تدفَّق بغزارةٍ، واتخذ سبيلَه في الأرض سربًا، لم يشهدِ التاريخُ حدَثًا مماثلا لهذا الحادث الخطير “.
تقول الباحثة وفاء الحكيرأن فاغليري عاشت في القاهرة وتزوحت بها عام 1948 وقامت خلال فترة إقامتها بتدريس اللغة العربية لطلاب مدرسة الراهبات الفرنسيسكان في القاهرة، لبضع سنوات. وانها عشقت اللغة العربية ولم تكتف بدراستها وتدريسها بل وضعت كتاب ( قواعد العربية ) .
رحم الله الدكتورة لورا فيشيا فاغليري التي توفيت عام 1989 عن عمر يناهز 96 عاما ، وتركت في ذمة المسلمين وصايا واجبة التنفيذ وتراثا غاليا يجب علينا نشره والاستفادة به.