المشهد الاول
التوقيت :الساعة الثانية ظهراً، الزمان :السبت العاشر من رمضان السادس من اكتوبر عام ١٩٧٣، المكان: شقتنا فى شارع محمد فريد بالأقصر (أمى رحمها الله تهرول تجاه غرفة أبى رحمه الله حيث كان يأخذ قيلولته المعتادة)، امي: اصحى ياحاج اصحى بسرعة قوام، أبي: فيه يا حاجة لسه بدرى على المدفع، أمي: مدفع إيه ياحاج اصحى الجيش عبر القناة وهزمنا إسرائيل والدنيا مقلوبة!، أبي: بل كانت مقلوبة وأصبحت معدولة ياحاجة فالحق لا يضيع طالما تمسك أصحابه بالأمل.
مشهد رقم ٢
التوقيت: السادسة صباحاً فى نيويورك، الواحدة ظهراً فى القاهرة، الزمان: السبت السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ (تليفونى يرن بإلحاح، استيقظت هلعاً على صوت كبرى بناتي)
يثرب: اصحى يابابا بسرعة، أنا: خير يا بابا مالك فيه إيه؟
يثرب: الفلسطينيون اجتاحوا إسرائيل والدنيا مقلوبة! (ابتسمت بينى وبين نفسى وسرحت قليلاً لدرجة أن يثرب ظنت أنى لم أسمعها جيداً) فعادت تكرر وهى تغالب دموعها من الفرحة، يثرب: اصحى يابابا وافتح التليفزيون الدنيا مقلوبة، (فتذكرت وجه أبى وهو يخاطب أمى يوم نصر ٦ اكتوبر العظيم وقلت لها): ليست مقلوبة بل هى الآن قد أصبحت معدولة يابنتي!
سبحان الله، العالم انتفض منذ صباح السبت ٧ أكتوبر دفاعاً عن الإسرائيليين الأبرياء الذين راحوا ضحية الاجتياح الفلسطينى لإسرائيل وذلك على اعتبار أن إسرائيل هى ذلك الحمل الوديع المسالم الذى يعانى من الاحتلال الفلسطينى لبلاده رافضاً أى حل ينصف إسرائيل الغلبانة أو حتى يعيد لها بعضاً من حقوقها التى سلبها الفلسطينيون!! ونفس هذا العالم يغض الطرف عن دك مدن بأكملها فى حرب الإبادة التى يشنها العدو الصهيونى على أشقائنا الفلسطينيين!!
سارعت بمتابعة القنوات الأمريكية وأخذت أضرب كفاً بكف على تلك الازدواجية التى ينظر بها هؤلاء الناس لقضايا واضحة وضوح الشمس،فإذا كان المعتدى هى إسرائيل فالوضع يجيء تحت مسمى الدفاع عن النفس ضد الإرهاب الفلسطيني، أما إذا جاء الرد الفلسطينى ولو جزئيا على ما يتعرض له الشعب الفلسطينى يومياً من هؤلاء السفلة فهو ارهاب وتعدى وتجاوز وغيرها من الأوصاف الكاذبة التى ما أنزل الله بها من سلطان، منتهى البجاحة. أنا حتى كتابة هذه السطور لم أكن أحلم بأن أعيش لليوم الذى اتابع فيه الاجتياح الفلسطينى لإسرائيل حتى أننى ظننت للوهلة الأولى أن وسائل الإعلام أخطأت وعكست الآية، نعم فمنذ حرب اكتوبر المجيدة أنام وأستيقظ على خبر الاجتياح الاسرائيلى للأرض المحتلة،
ولم أر العالم أبداً اتخذ موقفاً قوياً ضد تلك العصابة المحتلة وأقصى رد فعل يجيء على هيئة بعض عبارات الإدانة الرقيقة ولم يحدث يوماً أن اتخذ المجتمع الدولى موقفاً حاسماً من الدلوعة إسرائيل ولا قطع دعمه لها أو أوقف مساعدتها ولو على سبيل الضغط ،وظل ذلك المجتمع الدولى وسيظل دائماً فى صف إسرائيل التى يرون لها كل الحقوق فى أن تعمل ما تريد من ظلم وقهر لشعب كل قضيته أنه يرفض أن يستسلم ويعيش ذليلاً خانعاً وهو بإذن الله أبدا لن يحدث.
وكل يوم يثبت هؤلاء الأبطال أنهم قد رفعوا شعار إما استرداد الحقوق المسلوبة وإما الشهادة دفاعاً عن الوطن. فليعلم كل العالم وليعلم كل اسرائيلى أننا قلناها وسنظل نقولها بأعلى صوت:نحن ضد كل أشكال العنف وضد استخدام الأبرياء كوقود للحروب،ولكن عندما تحتل أرضى و تحبسنى فى غرفة ضيقة وتسد أى منافذ للحياة وتطلب منى الرضاء بالفتات فلا تتوقع منى ساعتها أن أظل أسيراً لشعارات لا تسمن ولا تغنى من جوع،حتماً سأفعل أى شيء فلا تلومنّ إلا نفسك.
ليسمع هؤلاء إن كان لهم آذان يسمعون بها أو عقول يفقهون بها أن المقاومة الفلسطينية التى هى شرف لكل العرب لن تتوقف مهما كانت أعداد الشهداء حتى يحصل الفلسطينيون على وطنهم المسلوب تحت أعين الغرب مدّعى التحضر الذى يترك لصوص إسرائيل يمرحون فى أرض فلسطين ويعاملون أصحاب الأرض كأنهم هم الغاصبون!. فليفهم هؤلاء أننا نؤمن بأن الحقوق تُنتزَعْ ولا تمنح ونحن أصحاب الحق وإن طال الزمن. اللهم هل بلّغنا؟ اللهم فاشهد.