ولا يمكن القول إن بداية المشكلة في إدارة مرفق القضاء تكمن في تشخيص المشاكل، التي يعانيها الجهاز الإداري المساند للخدمات القضائية، لأنها واضحة أمام الرئيس، وما نمر به منذ سنوات طويلة بدأت تتراكم نتائجه وآثاره، وأصبحت تكلفة العلاج له أكثر ثقلا وإرهاقا على المنظومة القضائية التي تأثر عملها وتطورها وإنجازها بسبب ترهل الجهاز الإداري وعدم صلاحيته في إدارة المنظومة القضائية، وبات العلاج الصحيح لها هو إنشاء محاكم مستقلة لمباشرة فساد المحليات لسرعة التصدي والبت في قضايا المحليات عموما
أنه لا يصح أن يبقى الفساد المحلي جاثما على جسد الأرض في ظل قيام الدولة في قيادتها العليا ببذل جهود مضنية في البناء الحضاري, وأن فساد المحليات طال انتظار إصلاحه حتى وصل الفساد ليس في البناء المخالف بلا ترخيص بل إصدار تراخيص مباني مخالفة لقانون البناء الموحد، وليس للمواطنين فحسب بل أيضا لجهات إدارية، وانتشار البناء المخالف يؤثر سلبا على التنمية والاستثمار والاقتصاد الوطني وموارد الدولة بحرمانها من استئداء حقوقها من المقاولين المخالفين ويؤثر على حق المواطن في توصيل المرافق وتحسين الخدمات المقدمة له.
أن إصلاح المحليات الذي عجزت عنه أنظمة سابقة يتوقف على انتهاج آليات جديدة مبتكرة لا يعجز عنها الإنسان المصري تتعلق بتغيير نمط الاختيار التقليدي لكافة القائمين على المحليات من مهندسين وغيرهم، وتدريبهم وتنمية مهاراتهم في الهيئات الوطنية التي تزدان بها البلاد، واستخدام المراكز التكنولوجية المستحدثة داخل تلك المحليات لقطع الوصال بين طالب الخدمة ومُقدمها حتى لا تعرقل منظومة التنمية المستدامة المنتشرة في ربوع أرض الوطن, فتُغلق الأبواب للقضاء على الفساد من الجذور فلا يبقى له من فروع، فبغير رقابة صارمة أو حساب رادع سيبقى قانون البناء الموحد حبرا على ورق وسيضيع جهد المخلصين المصلحين لتنمية البلاد.
إن واقع الحال فى كافة محافظات مصر وما كشفت عنه ثورة الشعب فى يناير 2011 لخير شاهد على وجوب حل هذه المجالس الشعبية المحلية وأن الامتناع عن حلها رغم ذلك يشكل قراراً سلبياً غير مشروع وفضلاً عما تقدم بيانه فقد ثبت بيقين أن تلك المجالس قد أخلت إخلالاً جسيماً بمصلحة هذا الوطن وقصرت فى أداء مهامها وتقاعست عن ممارسة الاختصاصات التى حددها لها المشرع فى القانون رقم 43 لسنة 1979 المشار إليه على مستوى كل وحدات الإدارة المحلية وهى المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى
فقد أناط بها المشرع فى نطاق المحافظة مهمة الرقابة والإشراف على المرافق والأعمال التى تدخل فى نطاق المحافظة والتأكد من تنفيذ خطط التنمية المحلية الاقتصادية والاجتماعية وإقرار مشروعات خطط التنمية والمشروعات العامة بما يفى بمتطلبات الإسكان والتشييد واقتراح مشروعات التخطيط العمرانى وإعداد الخطط والبرامج الخاصة بمحو الأمية وتنظيم الأسرة فى نطاق المحافظة وإقرار القواعد العامة لنظام تعامل أجهزة المحافظة مع الجماهير فى كافة المجالات، وبالنسبة لباقى الوحدات المحلية فقد اختص المشرع مجالسها الشعبية المحلية بمهام يدور مضمونها مع ما تقدم بالنسبة للمحافظة
ومنها ما نصت عليه المادة 41 من القانون المشار إليه وأهمها الرقابة على مختلف المرافق ذات الطابع المحلى، وعلى الرغم من هذه الاختصاصات بالغة الأهمية فى حياة المواطنين كافة فإن واقع حال البلاد كما تقدم يشهد على أن تلك المجالس لم تنهض بما هو مطلوب منها تجاه هذا الوطن ولذلك دب الفساد جنبات كافة وحدات الإدارة المحلية وانتشرت الرشاوى لإنجاز المصالح الخاصة بالمخالفة للقانون وعم الجهل والفقر والمرض الغالبية العظمى من الشعب بعد أن أهملت تلك الجهات إنجاز أية أعمال ترفع من شأن المواطن وتحفظ عليه بدنه وعقله ووقته وجهده وفشلت سياسة المحافظات فى توصيل خدمات مرافق الدولة إلى المواطن فقدمت له تعليماً رديئاً لا يستفيد منه المواطن أو الوطن وتوارت جامعات مصر بعيداً عن ركب العلم والعلماء، وانتشرت العشوائيات فى كافة مدن مصر وأصبحت تمثل خطراً داهماً يهدد الوطن بمن فيه ومن عليه، وانهارت أسس التخطيط العمرانى فى مدننا وقرانا وشوارعنا وأحيائنا وضرب الطامعون عرض الحائط بخطوط التنظيم وأصول البناء وحصلوا عن طريق فساد هذه المحليات على موافقات تبرر لهم مخالفاتهم أو ارتكبوها دون أن يحاسبهم أحد، وضربت فوضى المرور والمركبات ـ
التى تجوب شوارع الوطن وكل شبر فيه ـ كل أمن أو هدوء ينشده أبناء هذا الوطن، وأكلت التعديات الظالمة أكبر ثروة يملكها هذا الوطن وهى أرضه الزراعية التى عاش على خيرها وسقاها بدمه ومياه نيلها العظيم عبر العصور والأيام وترك كل من يريد أن يفسد فى الأرض بأن يشيد عليها ما يشاء من أبنية بحجج واهية فى وقت تشكو فيه صحراء مصر الشاسعة الغربة والوحدة وتنشد من يستصلحها أو يستزرعها أو يسكنها ولا مجيب، كل هذا التدمير والإهمال لثروات هذا الوطن وخيراته ما كان ليحدث أو يكون بهذا القدر الهائل لو كانت المجالس المحلية التى شكلت فى ظل النظام السابق وبأعضاء ينتمون لحزبه البائد قد قامت بمهمتها التى حددها لها القانون أو راعت بها حق هذا الوطن عليهم ولكن هذه المخالفات حدثت ليلاً ونهاراً وعلى مدى الأيام والسنين تحت بصر وأعين النظام السابق وأدواته ومنها المجالس الشعبية المحلية التى كان يفترض أن تكون الجهاز الرقابى الأول الذى يقف حائط صد أول فى وجه الفساد وأهله فى كافة المحافظات والمراكز والمدن والأحياء والقرى وتسهر على رقابة عمل الحكومة وتصرفاتها فى نطاق هذه الوحدات وتحرص على التأكد من حسن قيام أجهزتها المختلفة بأداء مهامها على نحو يتفق وصحيح القانون
حتى تقدم للمواطنين خدمات ترفع من قدرهم وتحقق آمالهم فى كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية وفى مجال التعليم والصحة والأمن والعمل والإنتاج وكفالة حرياتهم الأساسية إلى غير ذلك. ولكن هذه المجالس نكلت عن كل ذلك حتى وصلت البلاد إلى ما هى فيه من أوضاع متردية وفساد إدارى ومالى فى كل ما يتصل بأداء هذه الأجهزة التى يفترض أن هذه المجالس كانت تراقب أداءها وسلوك القائمين عليها. و إن المهندس المسئول بالجهة الإدارية المختصة يتولى مسئولية المرور على مواقع الأعمال، ومتابعة ما يجري من أعمال ومدي مطابقتها للتقارير الدورية المقدمة والتراخيص المنصرفة،
وعليه إثبات خط سيره ونتيجة مروره والمخالفات التي تكشفت له أثناء المرور في السجل الذي يسلم له، ويكون مسئولًا عنه كوثيقة رسمية يدون به بيان المخالفات التي تكشفت له على وجه التحديد، وما اتخذ في شأن كل منها من إجراءات وعلي وجه الخصوص التأكد من صدور تراخيص بالأعمال من عدمه وقيام المهندس المشرف بالإشراف علي تنفيذ الأعمال وسريان وثيقة التأمين ومطابقة الأعمال للتراخيص الصادر عنها والرسومات المرفقة به, والالتزام بتنفيذ الإجراءات اللازمة لوقاية وسلامة الجيران وأملاكهم والمارة والشوارع وما قد يكون في باطن الأرض من أجهزة ومنشأة المرافق العامة وغيرها من أخطار التنفيذ.
فساد في المحليات الذي طال انتظار إصلاحه في جميع أنحاء محليات الجمهورية, حتى وصل الفساد ليس في البناء المخالف بلا ترخيص فحسب بل في إصدار تراخيص مباني بالمخالفة لقانون البناء الوحد، وليس للمواطنين فحسب بل أيضا لجهات إدارية تمثلت في مديرية الشباب والرياضة والحملة الميكانية للوحدة المحلية لحي الكوثر ذاته وجامعة الأزهر وصندوق تمويل الإسكان الاجتماعي وبنك الاسكان والتعمير، وأشخاص اعتبارية خاصة وهي؛
جمعية المستثمرين بالكوثر ومدرسة المناهل، فضلًا عن تكرار التراخيص بذات الرقم وهو فساد ينبغي مواجهته فلا يصح أن يبقى الفساد المحلي جاثما على جسد الأرض الطيبة في ظل قيام الدولة في قيادتها العليا ببذل جهود مضنية في البناء الحضاري، وسعيها بأن تضع مصر على مشارف الدول المتقدمة في الحضارة البنائية,
ويبقى مواجهة الفساد الإداري بالمحليات أقوى التحديات للإصلاح الحقيقي بحسبان أن انتشار البناء المخالف يؤثر سلبا على التنمية والاستثمار والاقتصاد الوطني وموارد الدولة بحرمانها من استئداء حقوقها من المقاولين المخالفين، كما يؤثر على حق المواطن في توصيل المرافق وتحسين الخدمات المقدمة له،
وبغير قيام الإدارات الهندسية على مستوى الجمهورية في المحافظات والمدن والقرى بواجباتهم المنوطة بهم طبقا للقانون وبغير رقابة صارمة أو حساب رادع سيبقى قانون البناء الموحد حبرا على ورق وسيضيع جهد المخلصين المصلحين لتنمية البلاد.
دكتور القانون العام
محكم دولي معتمد
وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان