تمثل الاكتشافات الغازية الهائلة في منطقة شرق المتوسط بالنسبة لمصر ودول المنطقة أهمية كبيرة، حيث تنظر دول شرق المتوسط – وخاصّة مصر – إلى الاكتشافات الغازية الهائلة في المنطقة باعتبارها “فرصة ذهبية” للحصول على موارد مالية جديدة تُساهم في إنعاش ودفع الاقتصاد خلال السنوات المقبلة.
كما يتوقع كثير من المراقبين أن تعود الشراكة الأورومتوسطية في مجال الغاز بمكاسب عديدة على هذه الدول، ومنها على سبيل المثال التوفيرات المالية الناجمة عن فرق أسعار واردات الغاز من خارج المنطقة مقارنة بالواردات من المنطقة، وإقامة روابط اقتصادية وسياسية أقوى بين دول المنطقة، وزيادة أمن العرض واستقرار الطلب، والتنويع الاقتصاديّ القائم على المشروعات ذات الاستهلاك المرتفع للغاز.
وفي هذا السياق، مثّلت هذه الاكتشافات تطورًا فارقًا لتعزيز التعاون الأورومتوسطي، حيث تم تدشين “منتدى غاز شرق المتوسط” وذلك بمشاركة سبع دول هي: مصر وإيطاليا وقبرص واليونان والأردن وفلسطين وإسرائيل.
وقد اكتسب هذا المنتدى – الذي تحول إلى منظمة إقليمية حكومية مقرها القاهرة في 21 سبتمبر 2020م – زخمًا هائلًا مع حرص البنك الدوليّ على حضور جميع فعالياته، وعرض فرنسا الانضمام إليه كعضو، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة بصفة مراقبين.
وظهر من إنشاء هذا المنتدى أنَّ مصر أصبحت مفتاحًا لتعزيز الشراكة الأورومتوسطية في مجال الغاز، ومركزًا إقليميًا لتجارة الغاز، لما تمتلكه من بنية أساسية متطورة من أنابيب الغاز، ومحطتين لإسالة الغاز على شاطئ البحر المتوسط في إدكو ودمياط، بطاقة استيعابية تصل لـ 4,1 ملايين طن سنويًا من الغاز بكلّ محطة، وهي أيضًا الدولة الوحيدة بين الأعضاء التي تملك ممرًا ملاحيًا عالميًا يصل بين قارات العالم، أيّ قناة السويس.
كما دخلت القاهرة أيضًا في اتفاقات وترتيبات لشراء الغاز القبرصيّ لتلبية حاجات السوق المحلية، وتسييل الفائض وتصديره إلي الأسواق الخارجية من المحطات المصرية على شاطئ المتوسط.
كما وقعت القاهرة ونيقوسيا، في 18 سبتمبر 2018م، على أوّل اتفاقية من نوعها في منطقة شرق المتوسط لإنشاء خط أنابيب بحري مباشر لنقل الغاز من حقل أفروديت القبرصي، بدءًا من عام 2024م، إلى منشأة إدكو للغاز الطبيعيّ المُسال في مصر، وتصل تكلفته إلى حوالي مليار دولار.
ومع ذلك، نبّه كثير من الخبراء إلى أن جني فوائد الشراكة الأورومتوسطية في مجال الغاز المُكتشف في شرق المتوسط لن يكون تلقائيًا، وإنما سوف يعتمد – بشكل رئيسي – على الإرادة السياسية للتعاون في التوصل إلى اتفاقيات للتجارة الإقليمية في مجال الغاز، واعتماد أسعار للغاز على أساس قواعد السوق في دول المنطقة، وخلق بيئة تنظيمية مُنسقة للتجارة والتوريد، وإنشاء إطار استثماريّ مواتٍ لإقامة واستخدام البنية التحتية للغاز.
عميد كلية الآداب جامعة قناة السويس