عندما سئل إمامنا الشيخ محمد الغزالى ـ رحمه الله ـ عما إذا كان ربنا جل شأنه سيعاقب الأمريكيين والغربيين عموما الذين ماتوا دون أن يؤمنوا بالإسلام وبالنبى محمد صلى الله عليه وسلم قال : أخشى أن يعاقبنا الله نحن، لأننا قصرنا فن حمل رسالته وتوصيلها إلى الناس، أو أوصلناها منقوصة ومغلوطة ومشوهة، ولم نكن سفراء ورسلا جيدين لدينه العظيم، ولحمل كلمته.
تذكرت هذه اللمحة الغزالية وأنا أطالع بعضا مما قاله وكتبه المسلمون الجدد عن ندمهم على مافات من أعمارهم دون أن يهتدوا إلى حقيقة هذا الدين القويم، وعتابهم على المسلمين الذين لم يجتهدوا فى نشر الصورة الصحيحة لدينهم الذى ائتمنهم الله عليه، وأمرهم بحمل لوائه ودعوة الناس إليه.
فى مقطع مصور لسيدة أمريكية ـ ستينية ـ تذكر أنها كانت تعانى من حيرة عقلية عاتية كلما فكرت فى الأمور الدينية والإلهية، ودعت الله فى صلاتها ثلاث مرات فى ثلاثة أيام متتالية أن يكشف لها الحقيقة ويهديها إلى الصواب، وبعد الأيام الثلاثة فوجئت بابنتها التى تعيش فى مدينة نائية تأتى لزيارتها وهى فى هيئة مختلفة عما اعتادت عليه، حيث كانت ترتدى جلبابا واسعا وغطاء للرأس، وعندما سألتها عن سر هذا التغيير أخبرتها بأنها أصبحت مسلمة، واختارت أن تكون ملتزمة بالحجاب حتى يرضى الله عنها، وهنا أحست السيدة بأن الله قد استجاب لدعائها، وبعث إليها الرد عن طريق ابنتها، فطلبت منها أن تحدثها عن هذا الدين الذى لم تسمع عنه إلا كل ماهو سيء، فأخرجت الإبنة نسخة من القرآن الكريم باللغة الإنجليزية، وقرأت لها آيات من سورة
الفاتحة، وعلى مدى ساعتين أخذت تحدثها عن الله، الرحمن الرحيم الودود الغفور الرؤوف، خالق الكون ومدبره ومالك الملكوت، وعن النبى الخاتم الذى تجتمع فى رسالته كل الرسالات السابقة، والذى يؤمن بكل الأنبياء والرسل، ويكمل ماجاءوا به من آداب وفضائل .
تقول السيدة إنها أخذت نسخة القرآن الكريم وعكفت عليها تقرأ وتتدبر، ولجأت لمن يعلمها بعض مفردات اللغة العربية لتفهم المعانى والأحكام، ومرت شهور عديدة وهى تدرس وتتعلم، ولا تترك آية من القرآن إلا بعد أن تكون قد ألمت بمعناها ومغزاها، حتى وصلت إلى قول الله تعالى فى سورة المائدة : ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا، فمن اضطر فى مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم “، هنا توقفت واغرورقت عيناها بالدموع وهى تقول بصوت مخنوق: لماذا لم يخبرنا أحد بهذا ؟!
هذه الصرخة المعاتبة ” لماذا لم يخبرنا أحد بهذا ؟ّ! ” سمعتها وقرأتها كثيرا من أولئك الذين يكتشفون فجأة حقيقة الإسلام المغايرة تماما للصورة السلبية التى تعمل الأبواق الإعلامية الغربية فى صناعتها لعشرات السنين، بينما المسلمون بكل مؤسساتهم غائبون لاهون عن مهمتهم ودورهم ورسالتهم، مشغولون بحروبهم وصراعاتهم اللانهائية المدبرة لهم بدقة لتشويه صورة دينهم، وليظلوا قابعين فى كهوف التخلف، حتى لا يكونوا عنوانا جيدا لدين عظيم، هو فى الواقع أكثر أديان الأرض انتشارا بقوته الروحية الذاتية النابعة من داخله .
من هنا يأخذ معظم الناس فى الغرب فكرتهم عن الإسلام من أفلام هوليوود وكتابات اليهود والمستشرقين المغرضة، لكنهم حين يقتربون من النبع الصافى للدين تصدمهم الحقيقة، ويكتشفون أنهم أمام دين آخر غير الدين المصطنع المفبرك الذى قدم لهم، ومن ثم يسألون، ونحن نسأل معهم : لماذا لم يخبرهم أحد بحقيقة الإسلام؟!
لماذا لم يخبرهم أحد بأن الإسلام دين الفطرة السليمة والعقل السليم، دين الإنسان السوى، دين الأمن والأمان والسلام، دين الحرية والعزة والكرامة الإنسانية، دين المودة والرحمة والتعاطف والتكافل ؟!.. لماذا لايسمعون عن إلاسلام إلا مرتبطا بالقتل والذبح والإرهاب والختان والخيانة والتخلف ومصادمة العلم ؟!.. لماذا لايعرفون عن رسول الإسلام إلا تعدد زوجاته، وزواجه من عائشة بنت السنوات التسع ؟! من المسئول عن هذا التقصير المريع ؟!
لماذا لم يخبرهم أحد بأن القرآن ينهى المسلمين فى مواضع كثيرة عن العدوان على الآخرين “ولا تعتدوا إن الله لايحب المعتدين”، وينهاهم عن كل عمل فاحش ومنكر، ويحرم عليهم قتل النفس البشرية البريئة، ومن قتل نفسا واحدة فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا، وقد بلغ من حرصه على حياة الناس وكرامتهم وسمعتهم أن جعل من يذكر شخصا غائبا بسوء كمن يأكل لحم أخيه ميتا ؟!
لماذا لم يخبرهم أحد بأن الإسلام يأمر بالعدل والإحسان، حتى مع من لايؤمنون به، ويأمر بإكرام الأسير وإطعامه، ويحرم على أتباعه مجرد السخرية من الآخرين، ويحترم كينونة الإنسان كإنسان، بصرف النظر عن دينه وعرقه ولونه، ويضع كل بنى البشر فى مكانة إنسانية متساوية، ليس فيه شعب مختار، ولا امتياز فيه لقريب أوحسيب أونسيب، فإن أكرمكم عند الله أتقاكم، بلال الحبشى فى الجنة وأبو لهب القرشى عم الرسول فى النار، وأن الإسلام يحترم حقوق الإنسان، بل وحقوق الحيوان، فقد دخلت امرأة النار فى هرة حبستها، ودخل رجل الجنة لأنه سقى كلبا كان يلهث من العطش ؟!
لماذا لم يخبرهم أحد بأن رسول الإسلام كان يحمل عن العجائز أحمالهن فى الطرقات، ويساعد زوجاته فى أعمال البيت، كان يخصف نعله ويرتق ثوبه، وينام على الحصير، ويربط الحجر على بطنه أحيانا من شدة الجوع، ويشارك أصحابه فى كل عمل يعملونه، ويرفض أن يقوموا له إجلالا وتعظيما كما يفعل الناس مع الملوك ؟!