اعتدنا في الجلسة الأسبوعية على المقهى مع أصدقاء مدينتي القناطر الخيرية أن نحدد موضوع للمناقشة حتى يكون الوقت مفيدا. وأثناء نقاشنا لموضوع المسنين والمظالم المادية والمعنوية التي يعانون منها بعد ” ركنهم على الرف ” ، صرخ أحد الحاضرين قائلا :” أنا أعيش في وحدة كاملة منذ سنوات طويلة بعد موت زوجتي.. معظم الوقت في حالة عزلة .. اكل لوحدي .. أنام لوحدي .. أجلس لوحدي .. أقضي على النت ساعات طويلة “. وعندما سأله أحد الحضور عن أبنائه ، أجاب: ” كان الله في عونهم مشغولين بعملهم واولادهم .. عرضوا على أن اقيم مع أحدهم في شقته ولكني رفضت”.
وهنا يتضح أن هناك مشاكل يعاني منها المسنين أهم من المرض والاحتياج المادي وهي مشكلتي الوحدة والفراغ . وعرض أحد الجلوس حلا بأقترحه أن يجتمع كل اثنين أو ثلاثة من المسنين الذين يعيشون في مناطق متقاربة ليعيشوا معا في شقة واحدة لتحل مشكلة العزلة على ان يتقاسموا تكلفة المعيشة . ولكن الإقتراح قوبل بالرفض لاختلاف طبيعة وطريقة تفكير وأسلوب معيشة كل شخص عن الاخر .
وهنا طرحت عليهم تجارب عملية لبعض المسنين استثمروا وقتهم بطريقة صحيحة وقضوا على مشكلتي الوحدة والفراغ . بعضهم بحث عن فرصة عمل في القطاع الخاص ويقضي معظم يومه في العمل ، وفي التواصل مع الناس أثناء العمل، وفي طريق الذهاب والعودة . وأعرف بعض اصحاب المعاشات لايزال يعمل رغم ان عمره تجاوز الـ 75 عاما .
وأعرف بعض المسنين انخرطوا في العمل الخيري سواء بشكل فردي أو من خلال الجمعيات الخيرية المسجلة رسميا في وزارة التضامن . ويقضون معظم وقتهم في تلبية احتياجات الفقراء والمحتاجين والمرضى غير القادرين ، وعرض حالاتهم بعد دراستها ميدانيا على أهل الخير الذين يتبرعون بسخاء لانهم يرون حالات مدروسة وموثقة ،وأيضا لثقتهم في اخلاص وأمانة من يجمعون هذه التبرعات. وقابلت بعض المسنين العاملين في الجمعيات الخيرية ويشعرون بالرضا لأن عملهم ينفعهم في الدنيا وفي الآخرة.
وأعرض هنا تجربة فردية ناجحة لصديق ساهمت كثيرا في علاج وتخفيف آلام المرضى الفقراء الذي يراجعون المستشفيات الحكومية ، ويمكن ان تنفذ تلك التجربة في كل قرية وفي كل مدينة . صديقي هذا كان يعلم بحكم عمله أن المستشفيات الحكومية تعاني منذ سنوات طويلة من نقص الدواء والمستلزمات الطبية . ففكر في وسيلة لتوفيرها ، ووفقه الله لفكرة أن يقوم بزيارة أقسام الطوارئ والرعايا المركزة ومراكز غسيل الكلى بالمستشفيات الحكومية ويسألهم عن أسماء الأدوية والمستلزمات الطبية الناقصة لديهم. ثم يقوم بكتابتها على صفحتة في الفيسبوك ولا يطلب التبرع بمال، لكن يطلب ممن يستطيع شراء بعضها وتسليمها للمستشفى . وبفضل الله ثم باخلاصه وجهده تطوع معه فريق عمل كبير، ويسدون حاليا العجز في الدواء والمستلزمات الطبية في المستشفيات الحكومية بمئات الالاف من الجنيهات . بل وهناك تبرعات عن طريقهم بأجهزة طبية متطورة.
وهناك أيضا دور على الحكومة يجب عليها الإسراع للقيام به لشغل وقت فراغ المسنين بشكل صحيح . فمن الضروري انشاء نادي في كل مدينة للمسنين يحتوي على جلسات ومطعم وملاعب لألعاب رياضية تناسبهم ومكتبة ، ويكون الاشتراك في النادي مجاني لكل المسنين. وأن يتم إنشاء هذه الأندية تحت إشراف الهيئة العامة للتأمينات، ويتم تمويلها من إشتراكات التأمينات التي يدفها المواطنين وبالتالي لاترهق ميزانية الدولة.
وإذا كانت وزارة الشباب تقيم مراكز وأندية للشباب في كل مدينة وفي كل قرية من قرى مصر .فلماذا لا تقوم الهيئة العامة للتأمينات بهذا الدور مع المسنين ، خاصة وأن ذلك سيتم بأموال المشتركين ، ولن تكلف ميزانية الدولة جنيها واحدا .
وأدعو أعضاء مجلسي الشعب والشيوخ أن يتقدموا بمشروع قانون بإنشاء هذه الأندية للمسنين ، ونحن على استعداد لمساعدتهم على صياغة المشروع من خبراء قانون ، وإمدادهم بدراسة جدوى من محاسبين وخبراء وكلهم متطوعين ومن المسنين .
aboalaa_n@yahoo.com