الثابت بداهة ان الأمى هو الانسان الذى يجهل القراءة والكتابة . وقد يمتــــــــــد
هذا التعريف ليشمل المتعلمين الذين لا يقرأون الصحف والمجلات والكتب حتى غدت معلوماتهم قديمة ، فهم فى عداد الأمييـن .
اما فى البلاد العربية – والدول النامية عامة – فان البرامج التعليمية تتسابق الى القضاء على الأمية باشاعة القراءة والكتابة ، ونشر عادات المطالعة وشراء الصحف والمجلات واقتناء المكتبات .
وحجتها فى ذلك ان الأميه احد الاسباب الرئيسيه للتخلف المقترن بالفقر والمرض ، وان العلم وسيلة الى السعادة الكاملة . ولكن لو تركنا الافكار المثالية جانباً ، ونظرنا الى حال اولئك الأميين كما هو فى الواقع لغيرنا الكثير من مفاهيمنا او عدلنا برامجنا التعليميه أو الغيناها تماماً .
الأميون فى البلاد العربية – مثلاً – هم المستحوزون على ثروات البلاد وسيولتها النقدية ، المحتكرون للصناعات التقليدية والخفيفة .
والمتصرفون فى التجارة الداخلية كلها بما فيها سوق المال المصرح بها كالمعادن والأحجار الثمينة ، او المهربة كالدولار والمارك والفرنك ومختلف اشكال العملة الصعبة والسهلة .
وكل ألوان الاسواق من سوداء وبيضاء ورمادية . والأميون هم القائمون على تجارة الأراضى ومقاولات البناء ، والنقل البرى والبحرى . ولا يفلت من ايديهم سوى النقل الجوى وقد يستأجرون فى بعض البلاد العربية ذات النظام الحر – طائرات ( الكارغو ) لنقل قطعان الماعز والأغنام والأبقار والخيول . واطنان اللحوم المجمدة والفواكه المعلبة .
وليس الأمى – كما نتصور – انساناً جاهلاً بأمور الحكم والسياسة ، ولا غافلاً عن اصول السلوك واللياقة وآداب المجاملة والضيافة .
ولا تدل تصرفاته على انه ناقص الذكاء لأنه يجهل القراءة والكتابة . وقد تعجب احد هؤلاء الاميين – الذين يفكو الخط – عندما رآنى اشترى جريدة يومية .
وصرح لى باعتزاز انه لا يقرأ الجرائد لأنه يجدها مملـة واخبارها متشابهة . اعرف احد هؤلاء الأميين من رجال المال ، اضطر الى السفر دون مرافقة وكيل اعماله . فكان اذا عرضت عليه رسالة ليقرأها ، او عقد ليوقعه تظاهر بانه نسى نظارته وانه لا يقدر على القراءة دونهـا ، فيسارع احد الحاضرين الـى القراءة .
اعتقد بأن الاميين سوف يحتلون المراكز الأكثر اهمية فى مجال السياسة كما فى مجال الاقتصاد .. علينا ان ننظر حولنا الى من يتحكمون فى دول اليوم حتى نتأكد من صحة هذه الفكرة .
ولا شك ان فقدان ( حاسة ) القراءة والكتابة لدى الأمى قد عوضتها الحواس الاخرى . فنراه واعياً لمعانى الألفاظ ودلالة الأرقام . يقوم بالعمليات الحسابية فى ذهنه دون حاجة الى آلة حاسبة . وثقافته الشفوية التى نستهين بها ثقافة اجرائية – انتقائية : فهو يحفظ بعض آيات القرآن الكريم وشيئاً من الأحاديث والأمثال ، وحتى الأبيات الشعرية التى تخدم اغراضه فى المواقف الحرجة . انها ثقافة فعالة تحتفظ بالجوهرى المفيد وترمى القشور والنفايات . بينما تتراكم فى الثقافة المكتوبة طبقات من المعلومات يتكدس بعضها فوق بعض . فاذا احتاج المثقف اليها لزمه الرجوع الى دوائر المعارف والمعاجم والمصادر الموثوقة .
فالأمى سعيد .. بكل ما فى السعادة من معنى .. انه يعيش بكل جوارحه ، ويتمتع بالحياة بكل حواسه . وليس مصادفة ان نجد اعلى نسبة للانتحار فى بلاد الشمال ذات الثقافة الرفيعة كالسويد ، وادناها فى بلاد الجنوب الحائزة على الارقام القياسية فى جهل القراءة والكتابة . فالأزمات الفكرية تولد الازمات النفسية وادب الثقافة المتأزمة لا تعرفه الشعوب قبل ان تسد جوعها وتستر عريها
.
Fawzyfahmymohamed@yahoo.com