رحلة الإسراء والمعراج، تندرج تحت ما نطلق عليه «الأمور الخارقة للعادة»، وهي حوادث تقع بقدرة الله تبارك وتعالى، والإيمان بها واجب؛ لأن الله القادر لا يُعجزه شيء، وإذا أراد فهو جل وعلا ليس بحاجة إلى الأسباب والمسببات مثلنا.
والتشكيك في رحلة الإسراء والمعراج (وإنكار المعراج بالأخص)، شبهة استشراقية قديمة، رددها البعض مئات المرات، وفي كل مرة يُردُ على هؤلاء بما يثبت عدم صحة ما ذهبوا إليه (التشكيك في الرحلة).
ولمن يقولون إن كتب التراث – فقط – هي التي تحدثت عن رحلة الإسراء والمعراج، ويؤكدون أنهم لا يؤمنون إلا بما جاء في القرآن الكريم؛ نقول إن الدليل الأول والأقوى والأوضح والأثبت على وقوع هذه الرحلة المباركة مذكور في القرآن.
ففي سورة الإسراء دليل قاطع على وقوع (رحلة الإسراء): (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
وقول الله تعالى (بِعَبْدِهِ) دليل على أن هذه الرحلة المباركة كانت بالروح والجسد، ولا صحة لقول القائلين أنها كانت بالروح فقط (مجرد رؤيا منامية)، لأنها لو كانت بالروح فقط لما كان وقوعها أمرًا خارقًا للعادة؛ فملايين البشر يرون في المنام أمورًا لا يستوعبها العقل.
وفي سورة النجم دليل قاطع على وقوع (رحلة المعراج): (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى).
ونحن نُحسن الظن بالذين ما زالوا حتى اليوم يرددون شبهة عدم وقوع رحلة الإسراء والمعراج، ولا نتجرأ على الطعن في عقيدتهم – فهذا تألي على الله -، لكن نقول لهم: ما فائدة التشكيك في أمر ثبت عن الطريق القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية المشرفة والنقل المتواتر المُجمع عليه من سواد الأمة؟
تجديد الفكر الإسلامي، لا يعني التشكيك في الثوابت، والإنجراف وراء التريند.. التجديد يعني إعادة الحياة لفروع الشريعة بما يتلائم مع حياة الناس المعاصرة؛ أما الإيمان بالغيبيات فهو من أصول الدين، ولن يستفيد الناس شيئًا من تشكيكهم في أصول دينهم.
ورحم الله شوقي حين قال:
مشيئة الخالق الباري وصنعته.. وقدرة الله فوق الشكّ والتهم
حتّى بلغت سماءً لا يطار لها.. على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كلّ نبيّ عند رتبته.. ويا محمّدُ هذا العرش فاستلم