الحالة القرانية المعاصرة واحدة من اهم تجليات الاعجاز القراني في مواجهة تحديات كثيرة ليس فقط على الصعيد الديني ولكن على المستويات كافة بما فيها القومية والوطنية وكل ما له صلة بقضايا الهوية..
الموجات الارهابية الخطرة التى تعرض لها العالم والحرب الظاهرة والخفية على الدين بكل الطرق كلها كانت تقود الى البحث عن الحصن العظيم واقوى خط للدفاع في المواجهة وهوالقران الكريم ولفتت الانتباه الى اهمية العناية بتحفيظه وتعليمه واعباره حقا من حقوق الانسان المسلم وحتى غير المسلم باعتبار ان الاسلام دين العالمين وان النبي محمد ارسل للناس كافة..
فاذا كنت تبحث عن الامان الثقافي والدينى والاستقرار النفسي والاجتماعي فليس امامك الا القران الكريم وذلك لما يمتلكه من ركائز وذخائرومؤثرات تفعل الافاعيل في النفوس البشرية تهذيبا وارتقاء الى اعلى درجات السمو.. ولا يتوقف الامر على المؤمنين بالقران فقط ولكن سحر القران يمتد ويتغلغل الى كل النفوس حتى من يكفرون به وهي مسائل يعلمها القاصي والداني وتنبهوا اليها منذ الساعات الاولى للوحي الالهي واشراقات الرسالة المحمدية.خصوم الاسلام لم تغب عن اذهانهم تلك الحقائق الخاصة بقوة وسحر البيان القراني ليس فقط على مستوى الهداية والايمان ولكن على مستوى البناء العلمي والاخلاقي والنفسي والاجتماعي واقرار التوازن وعدم السماح بطغيان المادي على الروحي او العكس..
ولعل هذا مافسر الدعوات الخبيثة التى تم الترويج لها في بعض الفترات عن خطورة تحفيظ القران للناشئة وانها تؤثر في البناء العقلي بصورة ما وتخلق شخصية لها صفات تساعد على الجمود وغير ذلك من اتهامات باطلة.
تطور الامر مع الحرب على الارهاب الذي صنعه ورعاه الغرب رعاية كاملة سواء من حيث المنشأ وتوفير الحضانة والتزويد بالوقود الحيوي لتستمر نار الارهاب والفتن موقدة ..تفتق الذهن عن فكرة تجفيف المنابع لضرب الاصولية في مهدها وهو ماكان وراء اغلاق الكثير من الكتاتيب ومراكز تحفيظ القران الكريم وتخفيف المناهج من النصوص القرانية على وجه التحديد..ومن العجيب ان كل الخطط باءت بالفشل الذريع ولم تحقق ايا من الاهداف المعلنة ولا حتى المتوارية ولم تخمد نار الارهاب ولم تخرس اصوات التطرف والمتطرفين..
كل طرق الاصلاح ومحاولات الخروج من المأزق الذي سببه الارهاب الفكري والمسلح لم يكن امامها الا القران كضمان لثقافة اصيلة باعتباره المنبع الصافي الاكثر الهاما وقوة وتاثيرا..
الادلة العلمية والشواهد على الارض تؤكد على اهمية وضرورة تعليم القران وتحفيظه سواء للناشئة منذ نعومة الاظفار او للشباب وحتى للكبار..
خبراء في التربية وشئون القران والاعجاز العلمي حصروا أكثر من 70 دراسة أجنبية وإسلامية جميعها تؤكد على أهمية الدين في رفع المستوى النفسي للإنسان واستقراره وضمان الطمأنينة له. كما توصلت دراسات إلى نتائج تؤكد دور القرآن الكريم في تنمية المهارات الأساسية لدى الطلاب.وتبين بصورة واضحة العلاقة بين التدين بمظاهره المختلفة ومن أهمها حفظ القرآن الكريم وآثاره في الصحة النفسية للأفراد وعلى شخصياتهم وتمتعهم بمستوى عال من الصحة النفسية وبُعدهم عن مظاهر الاختلال النفسي قياساً مع الأفراد الذين لا يلتزمون بتعاليم الدين أو لا يحفظون شيئاً من آيات القرآن الكريم أو يكون حفظهم لعدد يسير من الآيات.
أوصت الدراسات بالاهتمام بتحفيظ القرآن الكريم كاملاً لدى الدارسين والدارسات في مؤسسات التعليم العالي نظرا للأثر الإيجابي للحفظ على كثير من مناحي حياتهم وتحصيلهم العلمي والامتثال لأوامره ونواهيه لأنه من أهم أسباب الوصول إلى مستوى عال من الصحة النفسية. كما أوصت بضرورة اهتمام المعلمين والمعلمات برفع مقدار الحفظ لدى طلابهم وطالباتهم حتى لو كان خارج إطار المقرر الدراسي بحيث يكون إضافياً لما له من أثر إيجابي على تحصليهم وصحتهم النفسية.
وقيل ايضا إن حفظ القرآن يؤثر على الصحة الجسدية وأنه يرفع النظام المناعي لدى الإنسان ويساعده على الوقاية من الأمراض.
لم يكن المسلمون فقط هم من تنبهوا الى قضية تحفيظ القران وتعليمه ولكن هناك كثير من غير المسلمين حفظوا القران ايضا ولم يتوقفوا عند مرحلة القراءة فقط والكثير منهم اعترف بالتأثير الايجابي للقران عليه بعضهم علماء في فروع العلم المختلفة وبعضهم رجال دين وبعض المفكرين غير المسلمين وعدد غير قليل من الاعلاميين والاذاعيين حفظوا القران للافادة منه في الارتقاء بمستواهم العلمي والعملي ايضا..
الامثلة كثيرة اذكر ونحن في كلية الاعلام جامعة القاهرة كان يدرس مادة اقتصاديات الصحف الدكتور صليب بطرس وكان مشهورا عنه انه يحفظ القران الكريم والدكتور ميلاد حنا المفكر المعروف ادلى في شهادته وحوارات بان القران الكريم يعتبر مكونا اساسيا من مكونات شخصيته ولا يمكن الاستغناء عنه .. كثير من رجال الكنيسة الكبار يحفظون القران لاسباب غير التعرف على القران وبعضهم لاسباب ما لم يكن ليفصح عن حفظه القران والبعض يراه مهما لتقوية الذاكرة وتنشيط الذهن والافادة من جماليات اسلوبه البليغ والبعض يستشهد كثيرا بايات قرانية.
ومن الاعلاميين المعاصرين جورج قراداحي الذي يحفظ الكثير من ايات القران ويقراها بطريقة صحيحة مجودة والمذيعة مارينا جميل بإذاعة راديو هيتس وتقدم برنامج “صباح ON” على قناة ON TV قالت فى حوار صحفي أنها كانت تحفظ القرآن الكريم لضبط لغتها الفصيحة لأن القرآن لهجته فصيحة جداً.
والحقيقة ان سحر وقوة تأثير القران ادركها منذ البداية مشركو مكة ورجال القبائل العرب وكانوا اهل فصاحة وبيان واعترفوا بذلك واخبروا اقوامهم بذلك..ولذلك كانت النصيحة الاولى لاتباعهم لاتسمعوا لهذا القران وثانيا الغوا فيه لعلكم تغلبون.
وأمروهم بإحداث الضجيج عند تلاوته حتى لا يصل إلى إسماع الناس، قال تعالى:﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾[فصلت: 26] اي: الغطوا وصيحوا بكلام لهو وصفقوا وصفروا حتى لا يتأثر به من يسمعه من الناس ﴿ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
وقد وضع المشركون بذلك اول اسس في مناهج مناوئة القران والاسلام عموما وهي الاسس والمبادئ التى يعيش عليها حتى الان المستشرقون واذنابهم وزبانيتهم على مر العصور حتى وان تطورت الوسائل واليات الاتصال في كل عصر..ولعل ما نشاهده من برامج على بعض الفضائيات تسير على هذا النهج
من جميل ما قرأت إن الله تعالى قد أودع في هذا القرآن قوة التأثير التي تجذب الأسماع والقلوب فتؤثر على العقول والأرواح والنفوس والجوارح ففي إعجاز القرآن وجهً ذهب عنه الناس فلا يكاد يعرفه إلا الشاذ في آحادهم وهو: صنيعه بالقلوب وتأثيره في النفوس فإنك لا تسمع كلامًا غير القرآن منظومًا ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال، ومن الروعة والمهابة في حال أخرى ما يخلص منه إليه.
**عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنْ إِجْلاَلِ اللَّهِ: إِكْرَامَ ذِى الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِى فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِى السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ ” رواه أبو داود والبخاري في الأدب المفرد، وحسنه الألباني (إكرامُ حاملِ القرآنِ من إجلالِ اللهِ سبحانه.
والله المستعان ..
megahedkh@hotmail.com