عندما كان شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب يفتى ـ أو يعظ ـ خلال شهر رمضان بأنه لا يجوز للمسلم مس التوراة والإنجيل دون طهارة، بما يعطى للكتابين قداسة عند المسلمين مساوية لقداسة القرآن الكريم، كان هناك فى السويد راسموس بالودان الزعيم اليمينى المتطرف يحرق مع أتباعه نسخا من المصحف الشريف فى ميدان عام، إمعانا فى إعلان العداء للإسلام والمسلمين، وإهانة أقدس مقدساتهم، وتجديدا للروح العنصرية التى يحمل لواءها اليمين المتطرف فى العديد من دول الغرب، رغم كل ماقيل ويقال عن حوار الأديان، وعن وثيقة الأخوة الإنسانية التى وقعها شيخ الأزهر مع بابا الفاتيكان فى فبراير 2019 بالإمارات، بهدف تعزيز التعايش والتآخى بين البشر، والتصدى للتطرف الفكرى .
والغريب أننا لم نسمع أثناء وقوع هذه الجريمة البشعة، أو بعدها، صوت انتفاضة للدولة السويدية، أو للمؤسسات الدينية التى تتسابق للحديث عن حوار الأديان واحترام الحقوق الدينية وقبول الآخر، بالعكس، كانت الشرطة تحمى المجرم وأتباعة أثناء فعلتهم المشينة بدعوى حرية التعبير، مع أنه لو حدث شيء من ذلك فى بلادنا ـ لا قدر الله ـ ستقوم الدنيا ولا تقعد، وستنتفض مؤسسات الدولة بأكملها لردع الجانى حتى لاتتكرر جريمته .
وجاءت ردود الفعل الغاضبة على جريمة راسموس فى شكل مظاهرات واحتجاجات عنيفة قام بها بعض أبناء الجاليات المسلمة فى السويد، واستنكارعارم من جانب الدول والمؤسسات العربية والإسلامية، التى أكدت أن هذه الجريمة من شأنها أن تكدر العلاقات بين الشعوب، وأن الإساءة لأى رمز دينى لايدخل ضمن حرية التعبير، ولا تعد سلوكا ينم عن حرية ولا حضارة، مطالبة بقانون دولى يجرم معاداة الإسلام والتمييز ضد المسلمين، باعتبار أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يتعرض للهجمات من قبل اليمين المتطرف فى أوروبا، وهوما يطرح السؤال : لماذا لايهاجم اليمين المتطرف ديانات أو جماعات أخرى غير الإسلام ؟!
الصمت الغربي المريب إزاء جريمة حرق المصحف الشريف المتكررة يذكرنا بالصمت المريب إزاء مايحدث من اعتداء متواصل على المسجد الأقصى من جانب عصابات المستوطنين اليهود فى حراسة ودعم الشرطة والحكومة الإسرائيلية دون رد فعل جاد وحاسم من الغرب المتواطئ .
وكان شيخ الأزهر قد أعلن خلال شهر رمضان خمس فتاو ـ أو مواعظ ـ معبرة عن التسامح الإسلامى واحترام الآخر، ومعبرة أيضا عن حركة تجديد الفكر أو الفقه الإسلامى، التى يقودها الإمام الأكبر بعقل هادئ، أولها يتعلق بمس التوراة والإنجيل، أما الأربع الباقية فهى :
ــ التضييق على غير المسلمين فى مأكلهم ومشربهم فى نهار رمضان بدعوى الصيام سخف لايليق، ولا يمت إلى الإسلام بصلة .
ــ ليس فى القرآن الكريم أو السنة مايمنع بناء الكنائس .
ــ الإسلام يساوى بين الدفاع عن المساجد والكنائس ومعابد اليهود .
ــ لا مجال أن يطلق على المسيحيين ” أهل ذمة “، فهم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، والمواطنة تعبر عن روح الإسلام وفلسفته .
والمتابع لأنشطة اليمين المتطرف فى أوروبا يمكنه أن يدرك بسهولة أن إثارة العداء للإسلام والمسلمين صار ورقته الرابحة من أجل اكتساب الشهرة والشعبية والفوز فى الانتخابات، وأمام هذا الهدف الخبيث تسقط كل دعاوى احترام المعتقدات الدينبة للآخرين، وتذوب توصيات وقرارات مؤتمرات حوار الأديان ووثيقة الأخوة الإنسانية، بل يسقط قرار المحكمة الأروربية لحقوق الإنسان الصادر فى 2018 بعدم اعتبار الإساءة إلى النبى محمد صلى الله عليه وسلم نوعا من حرية الرأى والتعبير، وهو ما يعنى صراحة توصيفها الصحيح كعدوان على معتقد الآخر .
وقد رأينا كيف تجرأت مجلة ” شارلى إبدو ” وأعادت نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم فى سبتمبر 2020، بعد كل الصخب الذى أحدثه نشر هذه الرسوم أول مرة فى صحيفة دانماركية، وكيف تجرأ السياسى الهولندى اليمينى المتطرف خيرت فيلدرز ونشر مقطع فيديو على تويتر معاد للإسلام فى أبريل 2021، كما تكررت جريمة حرق المصحف الشريف فى عدة بلدان أوروبية خلال السنوات الأخيرة، ما إن تهدأ فى بلد حتى تظهر فى بلد آخر .
وقد مضى الزعيم المتطرف راسموس بالودان ـ 40 عاما ـ على خطى زعماء اليمين المتطرف، الذين لم يجدوا قانونا يردعهم، لذلك قام بحرق نسخة من المصحف الشريف وهو مطمئن تماما، بل أعلن رغبته فى فعل ذلك مجددا أمام حشود سوف ينظمها فى أحياء تسكن بها أعداد كبيرة من المسلمين .
وهنا يجب أن نتساءل : أين المنادون بحوار الأديان ؟! لماذا لا نرى ولا نسمع صدى هذا الحوار فيما يحدث من جرائم فى حق الإسلام والمسلمين ؟! أين اختفى صوت المؤسسات التى تحاورت ووقعت على وثائق الحوار ؟!