قضية خطيرة تلك التى أثارها النائب محمد راضى، عضو مجلس النواب عن راتب رئيس جهاز حماية المستهلك الذى يبلغ 168 ألف جنيه شهريا، منها 52 ألف جنيه عن عمله بالجهاز و82 ألف جنيه مقابل عمله بوزارة التموين، إضافة إلى مكافآت أخرى يحصل عليها مقابل عضويته فى مجلس ادارة عدة شركات!! وهو ما يعنى أن دخل الرجل يتجاوز أربعة أضعاف الحد الأقصى للأجور.
أرجو أن تكون اثارة هذه القضية فرصة لمراجعة قضية الحد الأقصى للأجور الذى يبلغ 42 ألف جنيه. لكن العديد من المسئولين لجأوا للتحايل على هذا القرار بطرق وأساليب عديدة، فتجد دخلهم تجاوز هذا الرقم بكثير. حالة رئيس جهاز حماية المستهلك ليست حالة فردية، ولكنها موجودة فى كثير من المواقع والهيئات والشركات. تجد رئيس المكان من هؤلاء يلتزم بالفعل براتب 42 ألف جنيه، لكن هذا هو هو الراتب الأصلى فقط، أما التحايل فيأتى عن طريق صرف مخصصات للرئيس تحت مسميات أخرى، خذ عندك على سبيل المثال وليس الحصر بدل تمثيل ولا أدرى بصراحة ما المقصود بالتمثيل هنا، ثم بدل مظهر وكأن 42 ألف جنيه لا تكفى ليكون رئيس المكان حسن المظهر فيصرف لنفسه مبلغا محترما ليشترى به ملابس تليق بمظهره. ولو افترضنا إمكانية صرف هذا البدل مرة واحدة عند التعيين، فلماذا يحصل على بدل المظهر شهريا؟ هل سيشترى كل شهر تشكيلة جديدة مجموعة من البدل حتى تتماشى مع الموضة السائدة فى هذا الشهر؟
خذ عندك ايضا بدل الضيافة وهو أيضا مبلغ محترم يحصل عليه رئيس مصالح مختلفة، مقابل استضافته بعض الضيوف بحكم منصبه المرموق، فبدلا من أن يقتطع من راتبه الكبير أصلا بضع مئات من الجنيهات شهريا مقابل شاى وقهوة للضيوف، يصرف لنفسه من خزينة المؤسسة عدة آلاف من الجنيهات شهريا، طبعا لا يمكن أن تصل مصاريف شاى وقهوة الضيوف فى أى مكان هذا الرقم، لكنه مال سايب يغرف منه رئيس المكان ما يحلو له تحت مسميات ما انزل الله بها من سلطان ولا أظن وجود مثيل لها فى أى مكان فى العالم. هذا طبعا بخلاف مكافآت اجتماعات مجلس الإدارة التى يحصل عليها الرئيس والأعضاء، والتى يحددها هو بنفسه، واللطيف أنه فى كثير من الشركات والهيئات يعتبر رئيس مجلس الإدارة الاجتماع الواحد اجتماعين وربما أكثر، رفقا بحالته وحالة الأعضاء المادية، وطبعا يغترف من خزينة المؤسسة ما يحلو له، والورق ورقنا والدفاتر دفاترنا والحسابة بتحسب! كذلك لا ينسى رئيس المكان ان يضع اسمه رقم واحد فى أى كشف مكافآت يمر عليه ويضم مجموعة من العاملين مثلا قاموا بجهد مميز فى تقديم انتاج مميز، فلا يوقع الرجل الكشف قبل ان يضع اسمه فى المقدمة، ويحدد لنفسه بالطبع المبلغ الذى يرى أنه يستحقه، مقنعا نفسه أنه لو عبقريته والهامة للعاملين لما نجح اى منهم فى تقديم إنتاج متميز يعلى من شأن المؤسسة.
ناهيك طبعا عن تكلفة أسطول سيارات المصلحة التى توضع تحت تصرف المسئول الكبير بمصاريفها الباهظة، ابتداء من شراء سيارة احدث موديل للرئيس الجديد الذى لا يليق بسيادته ان يركب سيارة كان يستخدمها سلفه، وربما وافق على مضض على أن تكون السيارة القديمة التى هى موديل سنة فاتت على الأكثر ضمن أسطول السيارات الاحتياطى تحت أمر سيادته. وربما لا تجد تلك المصلحة نفقات تغطى تكلفة تجديد سيارات المصلحة اللازمة للعمل. لكن هذا لا يهم، «المهم أن يكون رئيس المصلحة مبسوط ومرتاح نفسيا وماديا طبعا»!
أتمنى تفعيل الرقابة على رواتب كل رؤساء الأجهزة والشركات العامة، فأنا على ثقة أن ما يحصل عليه كثيرون من زيادات فوق رواتبهم يكفى لتغطية العجز فى موازنة الدولة!
Hisham.moubarak.63@gmail.com