غول السوشيال ميديا يتمدد ويتطاول كل يوم..يضرب في كل مكان واتجاه يتسلل بكل الطرق يعبث يهيمن يسيطر يعصف بعقول الشباب وما دونهم وما فوقهم ايضا بقوة الاغراء وسهولة وسرعة الوصول في أي وقت وحين سرا وجهرا.
ساحة سامر منصوبة..الصراع فيها على أشده ثقافيا وسياسيا ودينيا واجتماعيا كل الأسلحة متاحة ومشرعة والغلبة لمن يملك مفاتيح التحريك وقوة الا انتشار تمتع بذكاء مفرط ومرونة وقدرة على الاستيعاب والإحاطة والرد في الوقت المناسب بما يناسب ويدحض حجج المنافسين ويكشف ويعري زيف المزيفين والتأهيل المتطفلين واراجيف المرجفين.
مما يؤسف له أن الوجود العربي والإسلامي والمشاركة الفاعلة في هذا الخضم الواسع ضعيف جدا ولا ينشط الا في الأشياء الهامشية وأغلبها ترفيهية إلى التفاهة اقرب فيما بقية الأقوام جادون كل الجدة للوصول إلى أهدافهم حتى وإن بدا ظاهريا انهم يلعبون ويلهون لكنهم واعون مدركون وممسكون بخيوط اللعبة مع قدرة فائقة على تحريك العرائس كما يريدون..
معظم المشاركات على السوشيال ميديا إسلاميا مخيبة للامال في ظل ما تشهده الساحة من موجات عنيفة نحو التغريب والانسلاخ الحضاري والتحلل القيمي والعدوان على الدين والأخلاق بصورة فجة وغير مسبوقة..إلى جانب تعزيز التوجهات نحو القبح والقباحة وكل أشكال الإباحة بصورة تعادي وتعتدي على كل مفاهيم الإنسانية والرقي وكل ما من شأنه الحفاظ على إنسانية البشر ويدعم قيم الحق والخير والجمال.
الصراع يزداد حدة على الصعيد الثقافي والديني تحديدا وهو اخطر من الصراعات الأخرى الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية وذلك للارتباط الوثيق بالهوية وملامح ومعالم الشخصية الوطنية وبالاطر والسياجات وحوائط الصد والسدود المنيعة أمام أي محاولات للاختراق والعبث والحامية من الانزلاق إلى مهاو سحيقة لا يعلم قدرها ومداها إلا الله.
فعلا اللعبة على السوشيال ميديا تجاوزت كل الحدود في العدوان على القيم والأخلاق في صمت رهيب وباتت أحد المداخل الرئيسية الترويج لكل ما هو شاذ وغريب وعجيب بطرق جهنمية ساحرة وفتاكة لها قدرة على الاختراق والتسرب والتسلل رويدا رويدا بعد ان اصبح الموبايل اللعين والاي فون رفيقا لكل صغير وكبير والكل يلهو ويلهو والبعض غارق في الاسفاف والتفاهة والطرائف والمساخر ..
لن يجد المتابع صعوبة ف التأكد من وجود حرب حقيقية على الدين اما رافضة له او ساعية لصناعة دين جديد بمقاييس جديدة مغايرة للوحي ومعاندة لانوار السماء.
الملحوظة الجديرة بالاعتبار ان المواد المقدمة يتم التركيز فيها على اللقطات السريعة والخفيفة والمشاهد الجذابة والاغراء الفاحش في القول والفعل لا يهم مستوى اللغة بل هناك انحطاط في الأسلوب والطريقة ما بعد السوقية في الخطاب والتعامل.دون التزام باي معايير فنية اوأدبية..الى جانب الالحاح والاغراء بضرورة المشاركة الجماهيرية بمواد على المستوى نفسه من الخلاعة والبذاءة..وكثرت بصورة ملحوظة المواد التي تشجع على المثلية والعلاقات المحرمة خارج اطار الزواج الشرعي والاستهانة بالمقدسات والواجبات الدينية والسخرية او التحقير من الالتزام والأساليب والطرق المحافظة في التعاملات والعلاقات البشرية.
السيل الجارف والبحر المتلاطم في صناعة الفوضى لا تصاحبه عمليات مقاومة على المستوى المطلوب اواللائق ويجد المتصفح – وكلهم من فئات الفتيان والفتيات –نفسه امام خيار واحد ولا بدائل صحيحة تصوب وتوجه وتحذر والاهم تقدم مادة علمية صحيحة وموثوقة..لكن على ما يبدو فأننا قد تركنا الساحة لتلك القوى تعبث كيف تشاء وتقدم ما تشاء تستقطب وتستنزف العقول وتسيطر على القلوب وتثير الغرائز وتهيج العواطف بلا رقيب اوحسيب.
وسط هذا الزحام الشديد تستوقفك نماذج نادرة تبعث باشارات من نور وتعزز بوارق الامل بان بالإمكان فعل شيء نبني ونقدم ونواجه في المعركة الكبرى لصناعة الوعي الحقيقي وتصحيح المفاهيم والرد على الأكاذيب والاغاليط وازاحة التراب واماطة الأذى عن الفكرة الإسلامية ورسالتها السامية في بناء الانسان والارتقاء والسمو بانسانيته في عالم فقد انسانيته ولم يعد يعرف لها سبيلا.
صفحات كثيرة على وسائل التواصل لعلماء كبار ودعاة ووعاظ سواء ازاهرة وغيرهم لكنها رغم اهميتها وقيمتها العلمية الا انها لا تدخل سباق المنافسة مع مواد التيك توك واشباهها ونظائرها وبالتالي يظل تأثيرها محدودا وفي اطار فئات خاصة او شبه خاصة..ليست في الفضاء العام وهو بالمناسبة لا يستغنى عن المادة الدينية أيا كان نوعها تفسير قران احاديث نبوية او تعليم وتجويد للقران وسير وقصص للصحابة والتابعين وتاريخ اسلامي وغيرها.
هناك نماذج جادة وواعدة لكنها لاتزال قليلة..مثل ما تقوم به
إيناس الخطيب على حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة تقدم مادتها العلمية بطريقة احترافية تناسب السوشيال ميديا وجمهورها..مادة موجزة مركزة دقيقة تصل إلى الهدف ببساطة شديدة بانسيابية وهدوء ورشاقة ايضا..بعيدا عن اللف والدوران واستعراض العضلات في القيل والقال وكثرة السؤال.
ثقافتها وقدرتها على امتلاك ناصية اللغة العربية والإنجليزية ايضا ساعدها كثيرا في القدرة على الإيجاز والتنوع الحيوي والانتقال بين الموضوعات المختلفة في حدائق الثقافة الإسلامية من البوابة القرآنية الرائعة..فتقدم لطائف الإشارات في التفسير والمعاني الآيات مع توضيح لسحر البيان الكامن في علم التجويد ومناهج القراءات.
أشبه بـالسندوتشات السريعة الدسمة جدا والمفيدة جدا المقتحمة للاسوار والمهدهدة لقلوب وعقول المتصفحين من كل الأعمار والأجناس بالرفق الذي يزين كل شيء.
انضمام ايناس إلى صفوف الواعظات بالاوقاف قد يشجع على استنساخ تجارب شبيهة أو متطورة للدفع بأكبر عدد ممكن من الواعظات لاقتحام الميدان بأسلوبه وأدواته للوصول للأهداف.
نأمل ذلك بل أصبح مطلبا عصريا لمخاطبة قطاع عريض من الفتيات والمرأة عموما التى أصبحت مستهدفة من جانب قوى عديدة تدرك تماما أهمية وحيوية دور المرأة في المجتمع
وفي التنمية عموما فتعمل بخبث ومكر شديدين على الوصول إليها والتشويش عليها واغراقها في قضايا ومشكلات جانبية تصرفها عن دورها الحقيقي تحت شعارات خادعة من قبيل المرأة الحديثة والجديدة والقوية وادعاءات التمكين والتقطيع والاستعداد الاستعلاء على الرجل وحتى على نفسها وما إلى ذلك.
مثل هذه الجهود الفردية تحتاج الى دعم ومساندة مادية وعلمية لضمان الاستمرارية وبالجودة المطلوبة وإمكانيات التطوير أيضا
نأمل أن نرى جيلا جديدا من الواعظات وفقا لنظرية التدافع وتحقيقا لها يملأن الساحة علما وبيانا وأخلاقا ويتمكن من تصحيح الصورة المشوهة للمرأة العربية والمسلمة التى تحاول جماعات المرأة الجديدة واشباهها تصديرها للعالم.ومواجهة الأفكار الشاذة الغريبة والعجيبة التى يروجون لها متحدين كل القيم الدينية والأخلاقية والأعراف الاجتماعية المستقرة والتى أحدثت بلبلة وإثارة على الساحة مؤخرا.”ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض”.
مصر تمتلك إدارات خاصة بالوعظ في الأزهر والأوقاف وتشهد حركة وزخما في الفترة الأخيرة ودعما كبيرا لتقديمهن وإفساح المجال امامهن..وزير الأوقاف د. مختار جمعة يولي التجربة اهتماما خاصا ويشرف علي دقائقها بصفة شخصية.
الأزهر عين مؤخرا في مجمع البحوث الإسلامية امرأة أمينا عاما مساعدا لشئون الواعظات د.الهام شاهين وتوجد واعظات الأزهر في معظم محافظات مصر..يبقى ضرورة اقتحام مشكلات العصر بكل جرأة وبلا تردد أو تباطؤ بادواته ومناهجه ووسائله النافذة والمؤثرة ..
لعل وعسى ..والله المستعان.
Megahedkh@hotmail.com