الموجة الحالية في الهجوم على الشعراوي لن تكون الأخيرة بل انتظروا موجات وموجات كلما اشتد الصراع وكلما كانت هناك محاولات لخلط الاوراق والعبث بالعقول ورغبات محمومة لتزييف الوعي وإضعاف تأثير الدين في المجتمعات وهو هدف لا يغيب عن أعداء الوطن في الداخل ومراكز التحريك والسيطرة بالخارج.
خليط عجيب وغريب يملأ الساحة صخبا وضجيجا يتصدره أذناب العلمانية والمتمسحون بها والملحدون واللادينيون والمتمحكون في شعارات الحداثة والتجديد والمتنطعون ومرتزقة الفضائيات ووسائل الاعلام وانضم اليهم مؤخرا هواة ركوب الترند والتزحلق على فضاءات السوشيال ميديا ومن نصبوا انفسهم حراسا وحماة لدعوات التحرر والانحلال والفسق والفجور..
المتأمل لاعترافات المهاجمين وما يرددونه من حجج واباطيل وكلام مكرور معاد يثير العجب سيكتشف الحقيقة حول ما يراد وأسباب الفزعة في الهجوم والنيل من عالم جليل وطراز فريد قلما يجود الزمان بمثله على الأقل في بابه ومابرع فيه وما سخره الله له.
عبارة واحدة كانت كاشفة وكافية لفضح تلك التوجهات وأهدافها الخبيثة يقول الناقد الفنياياه:”عشاق الشيخ لايزالون على العهد يتمتع بمصداقية لا يمكن لمنصف تجاهلها ولكن قطعا من حقنا جميعا تفنيدها”(المصري اليوم السبت 7يناير) هل هناك وضوح وجرأة وتبجح أكثر من هذا !
يا للهول..مجرد اقتراح بعمل فني اثار حفيظة تلك القوى التى أعطت لنفسها حق أن تكون قيمة على صناعة الفكر وتشكيل الوجدان والتحكم في الذائقة الفنية للبشر وتقرير ما يجوز وما لايجوز يمنحون ويمنعون ويدعون حماية من الفتن .. وما يدرون أنهم في الفتنة قد سقطوا.. مجرد اقتراح على اثره جن جنونهم وكان من الممكن الرد على الاقتراح ورفضه أيضا بأسلوب علمي متحضر كما تقضي الاعراف المعمول بها وبلا اي مشكلة إنما حالة الهياج وتوجيه الاتهامات جزافا والمصادرة على المطلوب بأساليب غريبة وعجيبة واهالة التراب على الرموز والإعلام خاصة علماء الدين يثير الكثير والكثير ويطرح علامات استفهام لا يجب ان تمر مرور الكرام ولابد من التوقف أمامها والإجابة عنها بصدق إذا كنا نبحث عن طريق آمن للخلاص مما يكبل مسيرتنا ويدفع إلى الأمام من أجل الارتقاء ووضع قدم راسخة في المقدمة مع الأمم المتحضرة..
الأزمة الحقيقية ليست في الغبار المثار ولا في الافتئات على الشيخ الشعراوي والتفسيرات والتأويلات للمواقف والتصرفات ولكن في الرغبة في الهدم واهالة التراب على كل جميل لدينا فما يحدث ليس حالة فردية أو رأي ناقد فني او فنانة تجلس على كرسي المسئولية ولكن في حلقات السلسلة الجهنمية المستهدفة للدين وأهله في العصور المختلفة وخاصة العلماء الثقات الافذاذ ممن يحظون بمكانة وتقدير وشعبية لاتزال تتصاعد وتتنامى رغم الرحيل..منهج ممتد يتمتع أصحابه بسياسة النفس الطويل جدا والمحافظة على وضوح الهدف منذ أيام ابن سلول وحتى العصر الحاضر.. محطات التشويه والتضليل والتطاول على العلماء والنيل منهم والتشكيك في مواقفهم ومقاصدهم وغير ذلك من فنون للخداع والتزييف. وكل عصر له ابواقه وأدواته التى تسلط على البلاد والعباد.. ورغم المقاومة الضارية والضربات الموجعة في كثير من الأحيان فإنهم لا يملون ولا يكلون ويفتشون دائما عن خونة ولا يعدمون مرتزقة وأسواق نخاستهم لا تنفض ولا تكاد تعرف القحط ..
الغبار حول وادي الشعراوي الفسيح الممتع كاشف وفاضح ويدق اجراس انذار للإنتباه بأن الاكمة لايزال وراءها ما وراءها مما يتطلب رؤية جادة وجديدة ومرنة في التعامل مع الواقع ومستجداته ومواجهات الغارات الحديثة بما يكفل اجهاضها وتوفير الحماية والحصانة الكافية ضد مكر الماكرين وتنطع المتنطعين..
آن الأوان لطريقة جادة في التعامل مع علمائنا الافذاذ فثروة الأمم الحقيقية في عقول أبنائها ومفكريها فحتى الآن لم نقدمهم بالصورة الصحيحة التى تحفظ لهم وعليهم قدرهم وتصون قاماتهم العلمية والفكرية وبما يكفى لمواجهة هجوم الفئران والجرذان وغيرهم في أي وقت وحين ..
فإذا كنا نعيب مثلا على مهاجمي الشيخ الشعراوي تطاولهم وترديدهم لكلمات ومواقف معينة فإن الخطأ الأكبر على المؤسسات الفكرية والثقافية والدينية وتركت الساحة مباحة مستباح.
أزعم أن لا أحد يعرف عن الشيخ الشعراوي الا تفسيره للقران الكريم وحلقاته التلفزيونية الشهيرة ( بالمناسبة هذا شرف كبير ويكفيه) الا أننا لم نقدم ونؤصل للجهود الأخرى العلمية والوطنية والتحامه مع قضايا الواقع ومعارك الوطن مع القوى المختلفة بدءا من الاحتلال الإنجليزي وانتهاء بالمواجهة العنيفة مع الإرهاب والارهابيين وقد كان الرجل مواقف واضحة وحازمة مع المتأسلمين ومن خدعوا وضللوا وأضلوا باسم الدين ..
لم نقدم الجانب الوطني للشيخ الشعراوي بما يكفي حتى يعلمه الجميع من المؤيدين والمحبين قبل المتطاولين فكان مع الدولة ضد الإرهاب والارهابيين حتى اتهم صراحة من الجماعات بأنه من علماء السلطان واجههم بقوة مباشرة وغير مباشرة وفند أخطر مقولاتهم حول تكفير الدولة وحكامها. وقد لجأت الدولة مؤخرا الى الاستنارة بنتف من مقولاته القوية الرائعة التي تفيض حبا ووطنية وايمانا في الحملات الإعلامية مؤخرا ضد الاخوان وأعوانهم عندما هاجموا الدولة وعرضوا أمنها للخطر !
كانت للشيخ اراء قوية في العلاقة بين عالم الدين والسياسة وله مقولته المشهورة .. أحب أن يذهب الدين إلى رجل السياسة لا ان يذهب عالم الدين إلى السياسة وله معارك طويلة مع حزب الوفد وخصومه فقد كان وفديا وله مواقفه المشهودة مع النحاس باشا وقيادات الوفدالعظام. ولا اعرف حتى الان أي سبب للموقف الغريب والمريب لحزب الوفد الذي يحول دون الدفاع عن عضو يشرف الوفد بان كان منضما اليه يوما ما؟!
على صعيد الوحدة الوطنية كان لشيخنا علاقة وطيدة في اخر أيامه مع رأس الكنيسة البابا شنودة وكنت شاهدا وحاضرا جوانب منها وتأكيده على العمل معا وان في الدين ما يسع الجميع من أجل خدمة الوطن وكانت العلاقة بينهما نموذجا في الوطنية والتدين الحقيقي ..
لا يذكر الناس هذا كله ويتذكرون فقط سجدة الشكر لله بعد هزيمة يونيوالتى لا يستوعب معناها أصحاب النوايا اياها ورغم أنه شرح معناها ومقصدها وأنها ليست فرحا في الهزيمة أو مما يخيل أو يتوهم البعض.وغلبت روح المتاجرة والتهييج وإثارة الفتن على البعض ولا يزالون يلوكون الكلام لأغراض في نفس يعقوب..
لو أن العلماء انفسهم والهيئات الوطنية المختلفة قاموا بواجبهم نحو العلماء الكبار كالشعراوي وغيره وقدمت تراثهم العلمي بصورة صحيحة ورصينة .. لما تجرأ عليهم المتجرئون وما تطاول عليهم السفهاء ومحترفو اللهط على كل الموائد!
نقطة مهمة أخرى كشف عنها الغبار أن البعض لا يزال غارقا في فزاعات خبيثة كنا نظن أنها انتهت مع الجمهورية الجديدة .. كالتلويح بالورقة القبطية والادعاء باضفاء هالة قداسة على الأشخاص وخاصة علماء الدين .وغيرها من الأساليب الماكرة التى كانت تؤتي أكلها قديما في حملات الهجوم والاستهداف الخبيث للعلماء..
ورغم الأحكام والفتاوى الواضحة بلا لبس أو تأويل بأنه لا قداسة ولا عصمة لأحد في الاسلام إلا الانبياء والرسل .. فإنه لايزال البعض يردد أنهم يقدسون فلان وعلان ويتطاولون ويجرحون زعما منهم أنهم يهدمون القداسة التى في خيالهم.
كذلك الأمر فيما يتعلق بقضايا الوحدة الوطنية لا يخلو الأمر من اصطياد في الماء العكر والعزف على اوتار الإثارة والفتنة اللعينة.
استقيموا وارفعوا ايديكم عن علمائنا الاعلام واتركوا لنا شيئا نعتز به ونفخر..عسى ربكم ان يرحمكم !
والله المستعان.
megahedkh@hotmail.com