فى تاريخ مصر الحديث أحداث عديدة خرج منها البعض وهو يحمل هالات الشرف والعظمة والمجد مع أن دوره فيها كان هامشيا, وعليه بقع رمادية كما خرج بعض الشرفاء والوطنيين بوصمة عار وتوارى بعضهم فى التاريخ من الخزى الذى يلاحقهم ظلما وعدوانا, مع انهم كانوا لايريدون سوى مصلحة الوطن, وما أكثر الشخصيات التى برزت فى الأذهان بشكل يناقض الواقع وظهرت فى عالم الحقيقة بصورة أخرى, ولما كان الباحث فى التاريخ يتحتم عليه إظهار هذه الشخصيات على حقيقتها مبرأة من الزيف أو المبالغة أو التشويه, فقد رأينا أن نبرز مثالا لأحد الرجال الذين كانوا سببا فى نجاح ثورة 23 يوليو1952, ومع ذلك فقد غدر به, واعتقل هو وزوجته, وتمت الاساءة إليهما, وهو البكباشى يوسف منصور صديق الذى خشى أن يسجل التاريخ يوما أنه كان عضوا فى مجلس القيادة الذى أهدر الحريات, وأعدم العمال, واعتقل الأحرار, وظل حبيسا فى بيته حتى توفاه الله فى 31مارس 1975.
ولد يوسف صديق فى الثالث من يناير 1910, واستمع إلى سعد زغلول وهو يخطب فى بيت الأمة عام 1924, وانفعل به انفعالا شديدا لدرجة أنه اشترك فى العديد من المظاهرات المؤيدة لاستقلال مصر, ثم دخل الكلية الحربية فى عام 1982, وتخرج منها عام1933, ووصل إلى رتبة البكباشى فى عام 1951, وخلال تنظيم جمال عبد الناصر للضباط الأحرار انضم إلى هذا التنظيم, وأصبح مسئولا عن منطقة العريش, وهناك قام بدوره فى قيادة مجموعة الضباط الأحرار إلى أن حدثت حركة تنقلات, حيث انتقلت كتيبته رقم 13مشاة إلى القاهرة, استعدادا للسفر إلى السودان, وعندما وصل يوسف صديق إلى القاهرة لم يكن موعد الحركة قد تحدد بعد, ولكن اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار قررت الإسراع تحت ضغط الخوف من اعتقال الملك لهم, فأبلغه جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر بالخطة فى منزل حسين الشافعى, وكانت مسئوليته تنحصر فى التحرك مع قوات كتيبته بأربعين عربة لورى من الهايكستب خلف مطار القاهرة, لتكون قوة احتياطية عند رئاسة الجيش, كما تم إبلاغه بساعة الصفر للخطة التى أطلق عليها إسم نصر, ولكن يبدو أنه أخطأ السمع فتصورها الساعة الحادية عشرة مساء, بدلا من الثانية عشرة, لذلك تحرك بقواته مبكرا بساعة, وكان فى مقدمتها راكبا عربة جيب وتصادف خلال ذلك وصول بعض القادة الذين أرسلتهم السراى لاجتماع فى رئاسة الجيش للقيام بعمل مضاد ضد الانقلاب, بعد أن انكشف أمره فقبض عليهم, ثم قام باقتحام الرئاسة, وتبادل معها إطلاق النار حتى قاموا بتسليم أنفسهم, مما كان له أكبر الأثر فى تطور الأحداث ونجاح الحركة, وبعد نجاح الحركة تقرر ضمه إلى مجلس قيادة الثورة, ولكن بدأت خلافاته معهم مبكرا, وكانت نقطة الخلاف الجوهرية هى الموقف من قضية الديمقراطية, ومعارضته لفرض حكم عسكرى دكتاتورى على البلاد, ثم تعددت أسباب الخلاف فى الموقف من إعدام العاملين خميس والبقرى, واعتقال الخصوم السياسيين ومحاكمة ضباط الجيش المعارضين, ثم تطور الخلاف بينه وبين مجلس قيادة الثورة على نحو قرر المجلس بعد قبول استقالته سفره للخارج, حيث قضى بسويسرا ثلاثة شهور, ولما طلب العودة رفضوا طلبه, وأرسلوا إليه زوجته وأولاده, ولكنه عاد سرا, ولما علموا بذلك حددوا إقامته, ثم قاموا باعتقاله فى ابريل 1954, ثم نقله إلى السجن الحربى, وظل به حتى مايو 1955, حيث أفرج عنه مع استمرار تحديد إقامته بمنزله حتى عام 1956وتقرر إحالته إلى المعاش.
لقد تعرض العديد من المؤرخين للدور التاريخى الذى قام به يوسف صديق ليلة قيام الثورة, وأنه الوحيد الذى استقال من مجلس قيادة الثورة فى وقت مبكر, عندما رأى انحراف هذا المجلس عن دوره وتفضيله للسجن وعدم الاشتراك فى الحكم على حساب حرية وكرامة الشعب المصرى, وعدم تحمل ضميره البقاء فى صفوف الثورة عندما انحرفت عن طريق الدستور والديمقراطية, واتجهت اتجاها دكتاتوريا وأنه دفع ثمن هذه المواقف غاليا, ومع ذلك, فإن هذا القائد الوطنى لم يأخذ حقه فى التاريخ, رغم كل ما أعطاه لمصر , بالرغم من أن الكثيرين من رفقائه الذين لم يعطوا لوطنهم مثلما أعطى يوسف صديق قد هللت لهم الدعايات والكتابات المنحرفة بأنهم كانوا أبطالا.
بعد ثورة 23 يوليو وجلاء الانجليز عن مصر فى 18 يونيو 1954 صدر أول دستور فى مصر الثورة فى يناير 1950, وأحدث الدستور الجديد انقلابا فى الحياة البرلمانية, عندما أعطى المراة المصرية لأول مرة الحق فى الترشيح والانتخاب, وتضمن مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق السياسية, وفى مايو عام 1957 تم فتح باب الترشيح للبرلمان لأول مرة منذ عام 1952, وتقدمت خمس سيدات على مستوى الجمهورية, وانتهت الانتخابات بفوز 350 عضوا كان من بينهم العضوتان راوية شمس الدين عطية والتى فازت فى 4يوليو 1957 قسم ثانى الجيزة , وأمينة أبو العز شكرى فازت بتاريخ 14 يوليو 1957 عن قسم باب شرق الإسكندرية, ورأس هذا المجلس عبد اللطيف البغدادى, واستمر الفصل التشريعى الأول منه دورة واحدة فى الفترة من 22يوليو 1957 حتى 10 فبراير عام 1958, وبعدها توقفت الحياة النيابية فى مصر إلى حين الاستفتاء على قيام الجمهورية العربية المتحدة والاستفتاء على رئيس الجمهورية.