أصبح وزيرا فجأة ،لم يتمناها ولم يعمل لها ، نزل من برجه العاجي ليدخل مكتبه إلا أنه لم يجلس على كرسيه لحظة واحدة. لم تتح له ،ولم يسع أن يتدبر أمر وزارته، فيسلك مسلك الساكن الجديد الذي يتفحص المسكن الجديد ليعرف مثالبه أو ماينقصه فيرمم ويصلح مايلزم -حتى مع علمه بأن عقد الإيجار ليس دائما – ،دخل في دوامة متلاحقة من الاحتفالات وافتتاح معارض لمنتجات وزارته الرديئة البائرة ،يكرر فيها خطابه الإنشائي فاقد المضمون والنكهة المحتوي على تصريحات بعيدة عن الواقع ،أحاطته تلك الفئة من سدنة الوزارة وكهنتها ،حتى أنهم سدوا عليه الأفق فلم ير غيرهم فأبقى عليهم وأسند لكل منهم عدة مناصب آملا أن تكون وزارته هادئة ،ويبدو أنه وجد الحل في المقولة الخالدة يبقى الحال على ماهو عليه وعلى المتضرر أن يخبط رأسه في الحيط ، وهكذا سد أفق الحلم بالتغيير والارتقاء بعمل وزارته ،لم يسع أن يستمع لأحد من المنادين بالإصلاح ، لينفض عنه سريعا أصحاب الرأي والرؤية ليجد نفسه محاصرا بنفر من السوس الذين ينخرون في ساق وزارته ،لتزداد الأمور سوءا فوق سوء ،تملأ سمعه التصفيقات ،وقصائد المدح ،غارقا في بحر النفاق والمجاملات ،حتى أطاح به تغيير وزاري ، متعجبا متحسرا نظر إلى كرسي الوزارة الذي لم يجلس عليه ولو للحظة واحدة ، لم يودعه أحد من السوس فلقد كانوا مشغولين في الاستعداد لاستقبال أو اختطاف الوزير الجديد .