تحية واجبة للهيئة الوطنية للإعلام على قرارها الحكيم بوقف إذاعة الإعلانات على إذاعة القرآن الكريم، وإعادة الوقار لأهم إذاعة فى مصر والعالم الإسلامى.. وأقدم إذاعة قرآن كريم في العالم.. تلك الإذاعة العريقة التى بدأت في بث إرسالها في 25 مارس 1964، ومن أشهر قرائها الشيوخ: عبد الباسط عبد الصمد، مصطفى إسماعيل، محمود خليل الحصري، محمد رفعت، ومحمد صديق المنشاوي، ومحمود علي البنا ومحمد محمود الطبلاوى.. وغيرهم من القراء المشاهير الذين ذاع صيتهم فى العالم وانتشرت تلاواتهم من خلال هذه الإذاعة العريقة.
لقد تعددت الشكوى من خبراء الإعلام وعلماء الإسلام والجماهير خلال السنوات الأخيرة من كثرة الإعلانات على هذه الإذاعة التى يستمع إليها الملايين كل يوم من خلال سياراتهم ومحلاتهم التجارية ومنازلهم .. فهى (خير رفيق على الطريق) ويقبل على تشغيلها في السيارات الشباب قبل الشيوخ.. فما أجمل أن تستمع الى كلام الله وانت تقود سيارتك في الصباح أثناء الذهاب إلى عملك.. أو أثناء العودة من العمل أو خلال سفرياتك القصيرة والطويلة بعيدا عن الاعلانات التى تتردد على هذه القناة وأغلبها اعلانات جمع تبرعات يمكن عرضها في إذاعات أخرى وترك إذاعة القرآن الكريم تؤدى رسالتها الإسلامية والحضارية بين جماهيرها دون تشتيت لاذهان المستمعين، وكلهم يرغبون الاستماع لكتاب الله عز وجل وتفسير آياته وتوضيح هداياته للناس أجمعين.
تدبير نفقات إذاعة القرآن الكريم بعيدا عن الإعلانات ليس أمرا عسيرا فى وقت تنفق فيه عشرات الملايين شهريا على إذاعات ومحطات تليفزيونية لم تعد تقدم رسالة حقيقية.. فالإعلانات تهدر القيمة الحقيقية لإذاعة متخصصة فى تلاوة القرآن ونقل رسالته الحقيقية للناس، وتشتت انتباه عشاق الاستماع إلى كتاب الله باعلانات مستفزة يضطر معظم المستمعين إليها إلى التوجه إلى إذاعات أخرى أو غلق الراديو بمجرد الاستماع إلى الإعلانات.. ورويدا رويدا ينصرفون عن الإذاعة الأهم وقد لا يعودون إليها مرة أخرى.
واضح أن الهيئة الوطنية للإعلام في تشكيلها الجديد برئاسة الاعلامى أحمد المسلماني تسير على الطريق الصحيح لتصحيح مسيرة الإعلام المصرى الإذاعى والفضائى وقد بدأت منذ أيام بوقف فقرات الدجل والشعوذة على المحطات الفضائية المصرية والتى تكاثرت في الآونة الأخيرة وأصبحت مستفزة ومسيئة لأعرق اعلام عربى حيث تغيب عقول المشاهدين بخرافات يرفضها الدين والعقل السليم .. فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى كما علمنا القرآن الكريم.. وبقى البحث عن وسيلة لالزام كل القنوات التى تبث من مصر بقرارات الهيئة فكل إعلام ينطلق من الأراضى المصرية يجب أن يلتزم بقرارات التصحيح وينضبط بالضوابط المحددة للإعلام المصرى.
نعود لإذاعة القرآن الكريم لنؤكد على ضرورة تطوير وتجديد هذه الإذاعة التاريخية -التى تعد من أهم القوى الناعمة لمصر فى الساحة الإسلامية والثقافية- واستعادة وقارها وهيبتها في نفوس المستمعين من داخل مصر وخارجها؛ والذين يزيد عددهم عن ٦٠ مليونا يوميا من داخل مصر وخارجها؛ حيث لا يكفى وقف الإعلانات عبر أثيرها.. بل لابد من تعديل خريطة الإذاعة لتكون المساحة الأكبر فيها لتلاوة القرآن بأصوات القراء المصريين المشاهير والبراعم الجديدة، وكلنا يشاهد ويستمع على مواقع التواصل الاجتماعي لأصوات مصرية شابة رائعة تلقي قبولا لدى المستمعين ويتناقلونها عبر صفحاتهم.
فى حوار مع وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف فى مكتبه عقب إصدار صحيفة (عقيدتى) وبحضور نخبة من الصحفيين الكبار بمؤسسة دار التحرير حدثنا عن القيمة الحقيقية لإذاعة القرآن وضرورة تصحيح مسارها بحيث تحقق الهدف الأسمى منها وهو تلاوة القرآن بأصوات خاشعة ومؤثرة ولذلك أصدر تعليماته بتقليل مساحة الفقرات الكلامية للضيوف وتكثيف تلاوات القرآن التى يقبل على سماعها المسلمون داخل مصر وخارجها.
بالتأكيد.. هذه القناة الإذاعية ليس مهمتها الكلام لكى تطغى البرامج الكلامية على مهامها الحقيقية.. وبالتأكيد أيضا ليست مهمة إذاعة القرآن الكريم مجرد إذاعة تلاوات متميزة لقراء راحلين.. بل مهمتها أيضا خلق كوادر جديدة من القراء المصريين لتحقيق تواصل الأجيال خاصة وأن هناك منافسين متميزين في تلاوة القرآن في دول عربية شقيقة.. كما أرى ضرورة احتضان إذاعة القرآن الكريم المصرية للعناصر المتميزة من قراء العالم الاسلامى وتخصيص مساحة لهم في خريطة الإذاعة يوميا لإبراز قدراتهم وجذب مستمعين جدد من بلدانهم لنحقق عالمية الإذاعة الأم للقرآن الكريم في العالم الإسلامى.
لقد وصف الاذاعى إسماعيل دويدار رئيس إذاعة القرآن الكريم في تصريحات له منذ أيام قرار إلغاء الإعلانات عبر شبكة القرآن الكريم نهائيا بالقرار الجريء والتاريخى، وقال: “هذا يوم عيد بالنسبة لجميع العاملين بشبكة القرآن الكريم، وكلنا سعداء لهذا القرار الذي كنا ننتظره منذ فترة طويلة، وكانت ترد لنا شكاوى من داخل مصر وخارجها تطالب بوقف عرض الاعلانات على الشبكة وتوجيه مساحاتها الزمنية للقرآن الكريم.. وقال: “آن لإذاعة القرآن الكريم أن تصدح بكتاب الله عز وجل وسنة رسوله الكريم، دون أي إعلانات”.
وانا هنا اطالب الأخ الورداني بعقد مؤتمر موسع لتطوير أداء المحطة يستضيف فيه نخبة متميزة من علماء الإسلام وخبراء الإعلام الإذاعى ليقولوا رأيهم فى برامج الإذاعة ووسائل تطويرها والارتقاء بها .. فالتطوير والتجديد مهم في عصر تغيرت فيه أنماط الإعلام وأصبحت كل الوسائل تتنافس على جذب الجماهير إليها.. كل وسيلة بطريقتها ووسائل إذاعة القرآن الكريم للتطوير والتجديد ينبغي أن تنبع من رسالتها الدينية والأخلاقية.
الإعلام المصرى بكل أدواته هو الأقدم والأعرق فى المنطقة العربية ومنه انطلق الإعلام فى العديد من الدول العربية، فإعلامنا صاحب الريادة والرسالة والمكانة.. لكن لا ينبغى أن نتفاخر بأمجاد الماضى ونعيش على تلال الذكريات القديمة بل يجب أن تنطلق خطط وبرامج التطوير لكى يحقق هذا الإعلام رسالته فى تنمية الوعى الوطنى والدينى ومواجهة كل الرزائل السلوكية والأخلاقية التى يموج بها عصرنا الحاضر.
الوطن فى أمس الحاجة الى إعلام يبنى ولا يهدم ويحمى عقول المصريين من حملات المغرضين.. وما أكثرهم الآن.
b_halawany@hotmail.com