هناك تساؤل مطروح فحواه: هل تغيرت المهن عن ذي قبل؟ والإجابة الصريحة نعم؛ حيث دخلت على المهن تعديلات وتغيرات جراء التطور التقني المتسارع، وفي ضوء تغير الاحتياجات، كما أن مطالب الإنسان اتجهت نحو الرفاهية، مما يحتم على سوق العمل مواكبة هذا المطلب الرئيس الذي بات لا ينكره أو يستنكره أحد.
وبالنظر إلى ما يطلبه سوق العمل المحلي والدولي من تفرد مهاري خاص بالمهن المختلفة؛ فقد استلزم أن نغير النظرة نحو ما نقدمه من خبرات تعليمية لمنتسبي التعليم الفني المصري بتخصصاته ومجالاته ومراحله المختلفة؛ لنترك مساحة حقيقية للإتقان، وهنا نعني أن نصقل المتعلم في الجانب المهاري الذي يكتسبه بالتدريب واستيعاب المعارف المرتبطة بالجوانب المهارية التي تجعله قادرًا على العمل وتفتح أمامه مسارات الابتكار.
وتعالوا بنا نتوافق حول ما يحتاجه خريج التعليم الفني، وهنا نتفق على أمر موحد، يتمثل في لغة عربية تعضد هويته ولغة أجنبية تمكنه من أن يتمازج مع الآخرين ويستمتع بمفردات البحث والتقصي في مجاله عبر أوعية المعلومات الأجنبية المليئة بالخبرات الأصيلة والمستحدثة منها، ومن ثم تزاد مقدرته على التواصل والاتصال، ويصبح مؤهلًا للسفر خارج القطر المصري.
ونتفق على أصول المهنة المتعلمة وما يرتبط بها من معارف ومهارات ينتقيها خبراء المجال الأكاديمي والمهني، بالتعاون مع أصحاب العمل بما لديهم من خبرة ميدانية في سوق العمل ومعلومية مطالبه المتجددة، وهذا يجعلنا ألا نثقل العبء المعرفي للمتعلم؛ كي يستطيع أن ينهض ويؤدي مهامه بإتقان، أملًا في أن يمتلك الخبرة الحقيقية التي تفتح له مداخل للسوق العالمي قبل المحلي.
وإذا ما قمنا بتخريج دفعات مؤهلة تأهيلًا يتناسب مع احتياجات ومتطلبات سوق العمل في المجالات الصناعية، والزراعية، والتجارية، والإدارية، والسياحية، وغير ذلك من التخصصات المهنية التي قد أكون قد أغفلتها؛ فإننا حينئذ سوف نمتلك ثروة بشرية فريدة تدعم الاقتصاد الوطني وتسهم بشكل قاطع في زيادة الدخل القومي؛ حيث إن السوق العالمي متعطش لأصحاب المهارات المتفردة في كثير من مجالاته.
وهناك عامل مهم ينبغي العمل عليه وهو التوعية لمنتسبي التعليم الفني؛ كي يبذل المتعلم جهدًا في تحقيق المهمة التي أراها من وجهة نظري قومية؛ فيستطيع أن يصل للمستويات العليا في الأداء المهاري بمجال تخصصه، ويحرص على اكتساب اللغات الأجنبية التي تفتح له حياة جديدة يحقق من خلالها آماله وطموحاته وأحلامه المشروعة؛ ليصبح من أدوات البناء التي ينفع بها البشرية قاطبة وفي القلب من ذلك نفسه ووطنه.
وأود الإشارة إلى أن مصر تمتلك مقومات النهضة بالتعليم الفني في ثيابه الجديد الذي يستطيع أن يغزو سوق العمل الدولي؛ فهناك المورد البشري المتعطش لاكتساب الخبرات التي تؤهله فعليًا لسوق العمل، وهناك خبراء المجال الذي يستطيعون اختزال المناهج الدراسة وما يرتبط بها من تدريب ميداني مركز على المهارات التي يطلبها سوق العمل، وهناك البنية الأساسية التي قد تحتاج لدعم لوجستي كي تصبح البيئة التعليمية مواتية؛ ومن ثم يتمكن المتعلم من تحقيق الأهداف المنشودة.
ما نرجوه خطوات إجرائية أعتقد أنها ليست معقدة، أو أنها تحتاج لوقت في التنفيذ؛ فالبداية من التعليم الفني، والنهاية نرصدها في خريج لديه ما يؤهله للانغماس في سوق العمل؛ ليصبح معطاءً قادر على إنجاز المهام النوعية، بما يدفع بعجلة الإنتاج ويفتح مسارات للعمل على المستويين المحلي والدولي، بل وتزداد معدلات الابتكار في مجالات العمل كافة.
وعلي أي حال لا ننكر جهود الدولة المستدامة في تحسين وتطوير العملية التعليمية؛ لكن ما نود سوى التسريع في مخرجات التعليم الفني صاحبة التفرد المهاري بمختلف المهن؛ فجميعنا يعي مدى أهمية هذا الأمر، وجميعنا يتمنى أن يصبح خريج التعليم الفني في المقدمة بما يمتلكه من فكر راق وتفرد في الأداء ومقدرة على التواصل، ودأب نحو التحسين والتطوير، وسعيًا وشغفًا نحو الابتكار وتحقيق الجودة وفق معاييرها القياسية العالمية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر