قدّرت تقارير مالية أن حجم الأموال التي أُنفقت، وسوف تُنفق خلال شهر رمضان المبارك حتى نهايته على حفلات الإفطار والسحور التي تقيمها كافة مؤسسات الدولة، ومؤسسات القطاع الخاص من شركات ورجال أعمال وغيرهم في الفنادق والنوادي والمطاعم وغيرها، وكذلك الأموال التي أُنفقت على المسلسلات والتي بلغت نحو 47 مسلسلًا، وأيضًا الأموال التي أُنفقت على الإعلانات في كافة وسائل الإعلام أكثر من 40 مليار جنيه.
هذه الأموال كانت تكفي لبناء عشرات المستشفيات أو إقامة الكثير من المدارس لتعويض العجز فيها، أو سداد للكثير من ديون الغارمين والغارمات الذين يقبعون خلف الأسوار، أو بناء الكثير من المشروعات لتوفير فرص العمل للشباب للحد من نسب البطالة، أو إنفاقها على دور الرعاية للأيتام والمسنين، وإعانة الكثير من الشباب والشابات على الزواج الذين تخطى الكثير منهم سن الثلاثين وغير قادرين على إعفاف أنفسهم بالزواج؛ بسبب ضيق اليد وارتفاع أسعار الأجهزة الكهربائية والأثاث وغيرها من مستلزمات إنشاء عش الزوجية، وعلاج الكثير من أهلنا المرضى البسطاء الذين يتألمون يوميًا من شدة المرض وضيق ذات اليد تحرمهم من إجراء العمليات بسبب تكاليفها التي أصبحت باهظة، وغيرها من أعمال الخير.
خاصة أن حفلات الإفطار والسحور التي يتم إقامتها يتم توجيه الدعوة فيها للمسئولين الحاليين والسابقين والمشاهير في كل المجالات والإعلاميين والصحفيين ورؤساء شركات ورجال أعمال، وهم أنفسهم أو غالبيتهم تجدهم دائمًا على كل الموائد إفطارًا وسحورًا طوال شهر رمضان، وهذه الفئات التي ربُنا أعلم كم منهم صائمون ليست في حاجة إلى هذه الدعوات، لأن في بيوتهم ما يكفيهم، ناهيك عن مئات الأطنان من بواقي الطعام المُهدر على مدار الشهر والذي يذهب إلى صناديق القمامة.
أما عن غالبية المسلسلات المنتجة خصيصًا لهذا الشهر الكريم فهي أبعد عن أجوائه الروحانية والتعبدية، فهي تحتوي على أعمال البلطجة والعنف وتجارة الممنوعات والرقص والخيانة وغيرها من الموبقات التي يرفضها الدين والعرف وتقاليد الفضيلة المصرية، وهي تضر ولا تفيد، وعن البرامج فأكثرها هزل واستخفاف وسطحية إلا من رحم ربي، وحتى البرامج التي يقوم فيها المذيع أو الفنان بتوزيع أموال على الناس البسطاء في الشوارع فهي تربح عشرات الأضعاف مما تم توزيعه من أموال، وذلك من بيع البرنامج للقنوات الفضائية والإعلانات والرعاة لهذا البرنامج، بالإضافة إلى ملايين رسائل SMS التي يرسلها المواطنون للإجابة عن سؤال الحلقة لتصل حصيلتها إلى أكثر من 70 مليون جنيه يوميًا.
أما عن الإعلانات التي يتم بثها خلال هذا الشهر الكريم فحدث ولا حرج عن حجم الإنفاق عليها، والتي تصل في مجملها إلى مليارات الجنيهات، وذلك من أجور فنانين وإعداد الإعلان وتكاليف بثه في معظم القنوات الفضائية يوميًا وبشكل متكرر طوال اليوم وعلى مدار شهر كامل، وغالبها عن الفيلات والشقق في الكمبوند والتي أقل سعر فيها 5 ملايين جنيه للشقة الواحدة، وهي تخاطب فئة الأغنياء والذين غالبيتهم لا يشاهدون التليفزيون؛ لأنهم يقضون سهراتهم خارج منازلهم وفي الكافيهات وغيرها، ولكن يشاهدها غالبية الشعب المصري الكادح والتي تصيبه بالحسرة على قلة حيلته وعجزه لأنه يعافر حتى يكفي متطلبات الشهر بالكاد.
فهل نجد من مستجيب من الذين أنفقوا هذه المليارات من الجنيهات أن يتم توجيهها بعد ذلك من العام القادم لو في العمر بقية إلى أفعال الخير، وسوف تعود عليه وعلى عائلته وعلى تجارته بالخير والبركة والستر، كما سيجدها في ميزان حسناته تفيده يوم لقاء ربه، وبذلك يصلح دنياه وآخرته.