الحديث عن مصر ليس مجرد استرجاع لمحطات تاريخية، بل هو استدعاء لقيم راسخة في وجدان شعبها ، قيم العزة والكرامة والتماسك وقت الشدائد. هذه الأرض التي لم تنحنِ يومًا ، ولم تعرف الاستسلام مهما اشتدت العواصف من حولها ، تظل دائمًا نموذجًا فريدًا في تحدي الأزمات والخروج منها أكثر صلابة.
عبر التاريخ لم يكن الاستقرار في مصر مجرد مصادفة بل كان نتاجا لتركيبة فريدة من الوعي الشعبي والقدرة على الصمود في وجه المتغيرات. لا يمكن الحديث عن شعب يتعامل مع أرضه باعتبارها شرفًا مقدسًا ثم نتصور أنه قد يفرط فيها تحت أي ظرف من الظروف. هذه القناعة لم تكن وليدة لحظة بل تراكمت عبر آلاف السنين من طرد الهكسوس إلى دحر التتار ومن مقاومة الاحتلال إلى معارك استعادة الأرض لتصبح جزءا من هوية المصريين.
في لحظات الخطر يتوحد المصريون دون الحاجة إلى دعوات فهم يدركون بالفطرة أن الأزمات لا تحلها الشعارات بل يحلها التكاتف والعمل. لا تعنيهم الأزمات الاقتصادية بقدر ما تعنيهم كرامتهم الوطنية. فقد يختلفون في تفاصيل حياتهم اليومية لكنهم لا يختلفون أبدا حول فكرة الوطن وحمايته.
عندما يتحدث البعض عن مصر وكأنها مجرد نقطة على خريطة الشرق الأوسط فإنهم يفشلون في فهم حقيقتها. ليست مصر مجرد مساحة جغرافية ، بل هي مركز ثقل حضاري وإنساني يمتد تأثيره عبر التاريخ والجغرافيا. مصر لا تتعامل مع القضايا الكبرى بمنطق اللحظة بل بمنطق التاريخ الممتد وهذا ما يجعل قراراتها أكثر عمقًا واتزانًا ، حتى وإن بدت للبعض بطيئة.
القدرة على التكيف مع المتغيرات دون التفريط في الثوابت هي ما ميز الشخصية المصرية عبر العصور. ربما يعاني المصريون اقتصاديًا في بعض الفترات وربما يواجهون تحديات كبرى لكنهم دائما يجدون طريقهم نحو تجاوز المحن. هذه ليست مجرد نظرة رومانسية بل حقيقة تؤكدها كل مراحل التاريخ المصري القديم والحديث.
المصريون ليسوا شعبا سهل الانقياد ولا يمكن التعامل معهم بالمعايير التقليدية التي تُفرض على مجتمعات أخرى. فقد جربت قوى كثيرة على مر التاريخ أن تفرض رؤاها على هذا الشعب ، لكنها وجدت نفسها أمام إرادة صلبة تأبى الترويض. لذلك فإن التعامل مع مصر لا يكون بفرض الأجندات أو ممارسة الضغوط.بل بفهم طبيعتها واحترام ثوابتها.
إن أي قراءة سطحية لمصر وشعبها تؤدي حتمًا إلى استنتاجات خاطئة ، وأي محاولة لاختزالها في أزمات عابرة، تعني عدم إدراك حقيقتها الراسخة. فالتاريخ يعلمنا أن هذه الأرض مهما واجهت من تحديات تعرف دائما كيف تنهض من جديد وكيف تحول المحن إلى فرص وكيف تصيغ مستقبلها وفقًا لإرادتها لا وفقًا لإملاءات الآخرين.