يحتفي المعهد العالي للفنون والحرف بسيدي بوزيد بتونس بالملتقى العلمي الدولي. الفن- التصميم والحدث: ” المسار والمصير” أيام 24 – 25و26 أبريل 2025 بمشاركة مجموعة من الباحثين والأساتذة بمركز الفنون الركحية و الدرامية بسيدي بوزيد… و مداخلتي العلمية موسومة ب”الدراما سفرة تلامس أفق الجمال وتساءل المصير لتنفي حقيقة الاكتمال. عرض مؤتمر الطيور لبتر بروك أنموذجا “
لقد اتخذ بتر بروك هذا المبدع العبقري مسارا ومنهجا جديدا في عمليته الإبداعية… لكن شغفه بالمسرح تجاوز كل الحدود الممكنة نحو تمشي محفوف بالمجهول. لذلك عرف بالقلق والتوتر الدائم… وكان السؤال في مسرحياته نافذا إلى أغوار الذات الإنسانية المعقدة وكنه الحياة باحثا عن الجمال في بساطته والحقيقة في عمقها وجوهرها. بحيث نلفيه يحزم أمتعته ويعزم السفر أينما وجد التنوع والثراء ليلامس اللاممكن و يبلغ خيوط المعنى حيث الأفق البعيد… فحط الرحال في بلدان عديدة وركز على الطابع الثقافي عامة والمسرح خاصة. وبين لنا بالأساس أهمية القارة الإفريقية من خلال عرض “مؤتمر الطيور”، لما تضمنته من تقاليد وطقوس ثرية تعكس صورة الإنسان البدائي في رونقه وتنوعه وعفويته. وبالتالي عدت رحلته البحثية هادفة إلى أن تكون ذات مسار استثنائي في المكان والزمان والرؤية الجمالية التي يرنو من خلالها معانقة اللانهاية. أليست هذه هي السمة الأساسية، والقاسم المشترك لكل فنان مميز يروم ترك بصمة متفردة بصورة لامعة تكتنز بعد النظر وعمق الإدراك عبر مسار فني جميل ومنطقي يكسر مع الرتابة نحو عالم الحرية ليسأل ويسائل مصير الإنسان المجهول. و ذلك بأن يتمكن من معرفة واكتشاف الصورة المميزة لذاته الفنية أولا ثم التوجه نحو البحث في ثنايا المجهول لتحقيق ماهو ممكن مرة أخرى عله يبلغ مشارف الانفتاح الثقافي والإبداعي عامة والجمالي والفكري خاصة . لقد اقترن السفر بالذات الإبداعية لبروك المخرج، المتعدد للرؤى الفنية وربما هذا ما أكسبه ميزة بل عبقرية تفرد بها دون غيره. لذلك يعد بروك مخرجًا عالميًا فهو لا يتردد في السماح بأن تتجلى أفكاره و ثقافاته بطريقة مخصوصة ومميزة تخول له التفوق على عديد المسرحيين في عصره، لأن رحلته البحثية تهدف إلى أن تكون على الدوام تناقضا ثابتا ومثمرا وفي ديمومة لا متناهية مع الزمان والمكان. فكيف يجد في كل مكان في العالم ما يعتمل في أعماقنا من جدلية تؤكد حقيقة ثابتة للوجود الإنساني في علاقة الفرد بالكون. بحيث ينحت جوهر عمله بعالمه الصغير الذي أضفى عليه الطابع العالمي. ويمكن أن نستجلي ذلك بوضوح من خلال “جورج باني” بقوله “لأن الإنسان مثل قوس قزح وهو العالم المصغر، والإنسان بتطوره الشامل هو العالم برمته.” لذلك سأستند في بحثي إلى مسرحية “مؤتمر الطيور “هي عبارة عن حكاية سفر موغلة في الإمتاع الفكري والخيالي بل غدت رحلة رمزية تارة وحقيقية تارة أخرى. إنها رحلة الورى، من حدود أوروبا إلى أعماق أفريقيا لأنه كثيرا ما ينظر “الغرب إلى الثقافات الأخرى وقد أكد على ذلك فتحي المسكيني بقوله ” وكأنها صيغة منقوصة من “ذاته”، وليس باعتبارها كيانات مكتملة” في ذاتها. وكان كانط وهيغل قد ضبطاً الصياغة الفلسفية النموذجية عن هذا التصوّر، والتي تحوّلت إلى ضرب من الحس المشترك عند الغربيين: إنهم شعوب الذاتية بحصر المعنى. وكل شعب لم يبن هويته على “كوجيطو” معين أي منهج ديكارت في التفكير.. أنا افكر اذن أنا موجودمعين ،هو يمشي”خارج” التاريخ.” لذلك سأعمل على إبراز العلاقة التي تربط بروك بالسفر الدائم وخاصة في علاقته الحميمية بإفريقيا في تقصيه عن حقيقة المصير. فكيف يمكن أن نتحدث عن تفرده وكثافة رحلاته العالمية ؟ كمخرج مبدع يسمو بتفرده للوصول إلى الجماهير في جميع الثقافات ليبلغ الكونية. بعد أن حط الرحال في رحاب عديد الحضارات ووطأت أقدامه عديد بلدان القارات الخمسة. لذلك يعد بروك مخرجًا عالميًا فهو لا يتردد في السماح بأن تتجلى أفكاره و ثقافاته بطريقة مخصوصة ومميزة تخول له التفوق على عديد المبدعين في عصره. لقد كان بروك محكوما بهاجس الإبداع عبر الاكتشاف والتجديد وإعادة القراءة للنصوص العالمية بتفحص ألفاظها و استنطاق معانيها وملامسة فحواها لتبيان ما تنطوي عليه من صور ضاربة في العمق عن الإنسان. ومن هذا المنطلق وجب التساؤل كيف يمكن أن التحدث عن تفرده وكثافة رحلاته العالمية ؟ كمخرج ومبدع يسمو بتميزه وخصوصيته للوصول إلى الجماهير في جميع الثقافات ليبلغ الكونية. حيث ترك من خلال أعماله مسار رهيب موشح بالبحث وموشى بالمعنى ومشبع بالجمال نحو أفق رحب قابل للعيش الحقيقي. لذلك سنصب اهتمامي على إبراز العلاقة التي تربط بروك بالسفر الدائم نحو المجهول وخاصة في علاقته الحميمية بإفريقيا التي مكث بها طويلا… إذن كيف يمكن أن يعثر في العالم ما يعتمل في أعماقنا من جدلية تؤكد حقيقة ثابتة للوجود الإنساني في علاقة الفرد بالكون. و”لأن الإنسان مثل قوس قزح وهو العالم المصغر، والإنسان بتطوره الشامل هو العالم برمته.” فماهي التجليات الاستطيقية في مساءلة بروك للمجهول… وكيف اتخذ من المسرح مطية ومسار لملامسة كنه المصير الإنساني….
