قراءة استبطانية في قصيدة: “ونسيني” للشاعرة وسيمة أكدي بقلم الدكتور محمد جمال من جامعة السلطان مولاي سليمان من المغرب
أولا: متن القصيدة
ونسيني
ما جدوى السؤال
والجفن غفا
نام نبض الهوى
و أَنَّى لي اصطفى
نسيني والقلب مهجور
عني اكتفى
قل لذاك الذي
رماني في منفى
ذنبي مغفور
يوم العشق وكفى
سأبرح الجدران
رغم القهر والجفا
سأكتب مذلتي
في كتاب زيف
لن أبوح بالحقيقة
لمن هفا
كلهم من حولي
والطيف اقتفى ..
أثري في البيداء
كمن يسعى مهرولا
بين المروة والصفا
ثانيا: منطق القصيدة
متن أدبي رائق عمّت فيه الشاعرة المقتدرة عن طبيعة شخص البطل الغائب، وتكَتّمَ المدادُ عما يُفترض في معهود الأحوال من نوع الصلة بين المتكلم والمخاطب. وذلكم دأب النفوس العالية المتحفظة على أسرارها في ظلمة الغياهب، بعيدا عن العيون الرواقب .. عيون جاهلة جاحظة ليس وراءها قلوب رؤوفة بحال من دهتهم النوائب وألهبتهم نيران النسيان اللاهب.
وبصيغة الغائب تسلم شكوى المعاتِب من شين شائنٍ لا يفقه آهات الحروف وزفرات المعاني التي عليها رواتب، تقودها قافية متحدة من مد فتح طويل بطول نَفَس المرتهب الذي يقول لسان حاله: الله غالب.
وطبيعي لمن هذا حاله من الاكتواء بمرارة النسيان وأيقن من فوات فرصة عودة أيام غادرت بلا انتظار ووجوه ودعت بلا استئذان، أن يفرغ العقل من جدوى السؤال بعد إذ غفت الجفون من كثرة السهاد و خفت نبض الهوى بعد إذ أضناه الإجهاد.
لا ندري مَن الناسي وكيف نسي ولماذا نسي؟ بقدر ما يهم هنا أن الناسي يَمْثُل في هذا المتن الأدبي مع غريمه المنسي على السواء في مجلس واحد في محكمة المساءلة والعتاب. يبدو أن لا حجة للناسي فيما هو فيه من حال الإدانة والحساب، إذ لو كانت له حجة ملموسة لتولاها الشاكي بالمناولة اللازمة ومحصها بالمدافعة المناسبة.
كيف لا ومدار التهمة هنا على إبدال المكان بالمكان والاكتفاء بإنسان عن إنسان؟. ليس من حق الناقد أن يسأل عن وجاهة أو عدم وجاهة انتحاء الناحي ناحية مخصوصة دون ناحية كانت له يوما حضنا دافئا وقبلة مرغوبة. لكن قرائن واقع الحال تفترض صدق لون المداد و حال عيونٍ جميلة تحكي الكثير من السهاد.
وإن يكن للمشتكية من ذنب تفترضه ذريعة للنسيان فقد أحالت في مرافعتها الراقية ذاك الناسي على يوم العشق أمارة على صدق الشكوى وسلامة الدعوى من دفوع شكلية لا تصمد للحقيقة المختبئة في ثنايا الأيام وفي نبض الشريان.
وفي انتقال قسري أملته بشرية إنسان طال رقاده في سجن أحزانه، تثور فطرة التحرر من قيود السجان والهروب من كآبة الجدران. كناية على انتحاء درب جديد يكون عزاء له في فقد بوصلته التي كانت تقوده إلى دربه القديم. لكن ما الجدران هنا بجدران الإسمنت التي تحجب سجينها عن العيان، بل جدران نفس عليلة يبدو أن السجينة استعذبت في البداية قبوعها في قوقعتها واتخذتها سجنا اختياريا مادام هو قيدوم ذكرياتها وواسطة عقد قلادتها الفضية.
يكفي من هذا حاله أن يغمض عينيه عن واقع مأسوف عليه ليسرح في شطئان أحلامه القرمزية القديمة لعه يلتقي حلمه القديم. حتى إذا تكرر هذه الأحلام من نفس عليلة مغلوبة مظلومة صار لها سجنا أثريا تلوذ به من حال الحرية التي تحياها في زمن يصعب فيه استعادة الأيام بنفس الطعم القديم.
قصيدة تحكي النسيان والجفاء في محكمة العتاب