حل الموضوع ليس صعبًا بل هناك آلاف الحلول التى تضمن حقوق الطرفين بشرط ألا يغالى أى منهما فى طلباته
أثار النقاش الدائر حاليًا حول قانون الإيجارات القديمة كثيرًا من المواجع للطرفين سواء الملاك أو المستأجرون. وإذا كان الوجع يطال الطرفين فإن أوجاع الملاك من وجهة نظرى أكبر بكثير من أوجاع المستأجرين. التحقيق المنشور فى «الأخبار» أمس لمس كثيرًا من معاناة الملاك وضرب أمثلة حية تظهر مدى الغبن الواقع على هؤلاء الملاك القدامى. وهى مجرد أمثلة ستجد منها الكثير على أرض الواقع فى كل شارع من شوارع المحروسة.
سيدة فى الثمانينيات من عمرها تمتلك عمارة بها ٢٢ وحدة ما بين سكنى وتجارى وكلها مؤجرة بنظام الإيجار القديم، لا يزيد إيجار الوحدة على ثمانية جنيهات وهو ما يعنى كما ورد على لسان المالكة أن إجمالى ما تتحصل عليه شهرياً لا يكفى ثمن علبة دواء واحدة لها أو لزوجها المريض. وأخرى تمتلك برجًا به عشرات الشقق المؤجرة بسعر زهيد لا يسمن ولا يغنى من جوع فى الوقت الذى تبحث فيه عن شقة لتزويج ابنها الشاب. وثالثة اضطرت للسكن فى حجرة البواب وتأجير شقتها التى تعيش فيها حتى تستطيع تلبية مطالب الحياة.
الحكومة مشاركة فى هذا الظلم البين من حيث لا تدرى أو تدرى لكنها تغض الطرف. هناك آلاف المبانى استأجرتها الحكومة من أصحابها منذ قديم الزمان بأسعار زهيدة جداً وترفض إعادتها لأصحابها رغم أنها تستطيع إيجاد البديل لها وفى أكثر من مكان. أذكر منذ سنوات أن حاولت حكومة الدكتور كمال الجنزورى تصحيح ذلك الوضع الظالم وأصدرت فى 27 مارس 1997 قرارًا ينص على قيام الهيئات والوزارات بإعادة تلك الشقق والعقارات لأصحابها فورًا إذا لم تكن فى حاجة لها، أو فى غضون خمس سنوات لو كانت فى حاجة إليها بحيث تدبر خلال تلك المهلة البديل المناسب. لكن ومع أن الحكومة أبدت تجاوبًا ملموسًا واسترد بالفعل بعض الملاك وحداتهم خاصة من أصحاب الحظوة والنفوذ والعلاقات القوية فى ذلك الوقت وعلى رأسهم أعضاء مجلس الشعب وقيادات الحزب الوطنى المنحل إلا أن الأغلبية من الجهات الحكومية ترفض حتى الآن رد الشقق والعقارات لأصحابها بحجة أنها لا زالت تحتاجها.
مثال حى على ذلك يتندر به أهل الأقصر على بيت يطلقون عليه بيت الأشباح كان مملوكًا لسيدة مسنة قامت بتأجيره لوزارة الصحة منذ قديم الزمان بقيمة إيجارية أربعة جنيهات.
وكانت الوزارة فى البداية تستغله كوحدة علاجية مدرسية لعلاج تلاميذ المدارس ثم انتقل استغلال البيت لهيئة التأمين الصحى وماتت المالكة ومات أولادها وبناتها لتئول ملكيته على الورق لورثة الورثة وهم بالمئات وقد رحل كثير منهم عن الحياة قبل أن تتعاطف معهم هيئة التأمين الصحى وترفع القيمة الإيجارية إلى ١٦ جنيهًا شهريًا(!!) يتم تقسيمها على كل الورثة الذين كلما اشتكوا من ذلك الوضع البائس ردت الهيئة أنها لا تزال فى حاجة للبيت الذى تستخدمه كمخازن فى الوقت الذى تمتلك فيه أكثر من عمارة لا تبعد عن ذلك المكان سوى أمتار قليلة. لكنها بالطبع تتمسك بذلك البيت على طريقة المثل الشعبى «اللى يلاقى دلع ومايدلعش ربنا يحاسبه» ولن تجد دلعًا فى العالم كله يعادل دلع بيت من بابه بمساحة تقترب من المئتى متر مؤجر بستة عشر جنيهًا، وهو ليس المثل الوحيد الذى يعكس قيام بعض الهيئات الحكومية بالضرب بقرارات الحكومة عرض الحائط. وعدم مراعاة ظروف أصحاب المكان الأصليين.
يقول بعض المستأجرين أنهم عندما قاموا باستئجار تلك الوحدات فى الماضى كانت تعد القيمة الإيجارية مرتفعة مقارنة بالوضع الاقتصادى وقتها وهو قول حق يراد به باطل لا يقل بطلانًا عن القول بأن تلك المبانى حصلت فى ذلك الوقت على دعمٍ حكومىٍ متمثلًا فى شراء مستلزمات البناء بأسعار مخفضة، فكل هذه المبررات لا تصلح لبقاء هذا الوضع الظالم مع الغلاء وارتفاع أسعار كل شيء.
وبالتأكيد هناك الكثير من الحلول التى تراعى مصلحة الطرفين فلا أحد يرضى للمستأجرين بالطرد فى الشارع إذا لم يكن لديه مأوى غير تلك الشقة التى أجرها بأبخس الأثمان لكن لا أحد يرضى أبدًا كذلك أن يكون للمستأجر مكان وأكثر وربما يعيش بعضهم فى كومباوندات فى الوقت الذى أغلق فيه الشقة ولا يزورها إلا كلما شعر برغبة فى زيارتها لاحتساء فنجان شاى «كل حين ومين» مخرجًا لسانه لصاحب الملك، كما قالت واحدة من أصحاب تلك الشقق مؤكدة أنها تحصل على إعانات من الأهل والجيران بينما هى صاحبة ملك على الورق يتمتع به مستأجرون ليسوا بحاجة لأملاكها.
حل الموضوع ليس صعبًا بل هناك آلاف الحلول التى تضمن حقوق الطرفين بشرط ألا يغالى أى منهما فى طلباته. وبشرط أهم أن تضرب الحكومة المثل الأعلى وتبدأ هى فورًَا بالتنازل عن الوحدات التى تستأجرها منذ عقود بإيجارات لا تذكر وتردها لأصحابها لعل ينال الحكومة دعاءً مخلصًا من ورثة ورثة الورثة يعينها على مواجهة التحديات التى تزداد صعوبة يومًا بعد يوم.