بعد حوالي 3 أسابيع من الأن ينطلق الموسم الدراسي الجديد في جميع المراحل التعليمية مصر. وقبيل الدراسة تنشغل الأسرالمصرية عادة بتجهيزات متعددة تختلف حسب طبيعة كل مرحلة دراسية . ولكن هذا العام هناك انشغال خاص بنظام التعليم الهجين الذي يجمع بين الحضور على المقاعد الدراسية وبين التعليم عن بعد عبر المنصات الإلكترونية. بالاضافة للإنشغال بتجربة التابلت والإستغناء تدريجياعن الكتاب المدرسي .
ورغم حالة القلق المشروع التي تسود غالبية الأسر إلا أنني أطمئن الجميع بأن التجارب العملية قديما وحديثا تؤكد أن الطالب المصري في كافة المراحل الدراسية إستوعب كل جديد وتكيف مع كل الأنظمة التعليمية المتعددة وحقق نتائج متفوقة . وأقرب مثال على ذلك النتائج الباهرة التي حققها طلاب وطالبات الثانوية العامة هذا العام 2020 رغم اضطراب العام الدراسي والظروف الصعبة التي أجريت فيها الامتحانات بسبب أزمة فيروس كورونا .
أما الإطمئنان الأكبر فيتمثل في شهادة البروفيسور الباكستاني محمد عبد السلام أحد أهم العلماء في عالمنا المعاصر والحائز علي جائزة نوبل للفيزياء عام 1979 والتي قال فيها :” أن بذرة العلم الأولى نشأت في مصر ثم انتقلت إلي بقية العالم فنمت كي تنير طريق الانسانية حتي اليوم “. وخاطب الأكاديمية والبرلمانية السابقة دكتورة فرخندة حسن خلال عملها في منظمة العالم الثالث للمرأة في العلوم قائلا :” ألا تعرفين أنك من البلد الذي نبتت فيه بذرة العلم الأولي”.
وتلك الشهادة ذات الدلالة الحضارية للبروفيسور عبد السلام ( 1926-1996 ) دفعت الدكتورة فرخندة للبحث في تاريخ العلم لتوثيق تلك المقولة وسجلت ذلك في كتابها القيم الذي يحمل عنوان “نبذة عن تاريخ العلم الذي نبتت بذرته الأولي في مصر”. وحمل الكتاب رسالة إطمئنان وجهتها الدكتورة فرخندة بقولها : ” أننا لا نزال نحمل جينات وخصائص من نبت العلم علي أيديهم “.
كما احتوي الكتاب علي شهادات موثقة تؤكد الريادة العلمية للمصريين أهمها للعالم البلجيكي والمؤرخ العالمي العريق جورج سارتون التي وردت في كتابه (المدخل إلى تاريخ العلم) وقال فيه : “انه من سذاجة الأطفال أن نفترض أن العلم بدأ في بلاد اليونان . فالمعجزة الإغريقية سبقتها آلاف الجهود العملية في مصر وفي أرض ما بين النهرين”. ومن أقوال سارتون الشهيرة أيضا : “إن الوثائق الخاصة بالعلم في مصر وفي بلاد ما بين النهرين أدق من وثائق العلم الإغريقية . كما كان في التراث العلمي المصري والبابلي وثائق قديمة ليس لها نظير في التراث اليوناني القديم”. وجورج سارتون ( 1884 – 1956) يعتبره العلماء مؤسس تاريخ العلم كفرع من فروع المعرفة . وشغل منصب رئيس الاتحاد الدولي لتاريخ العلوم . وجاء في ص 24 من الكتاب أن سارتون أسس مجلة علمية عام 1920 أسماها “ايزيس” لنشر الأبحاث في مجال تاريخ العلم. وفي عام 1936 أسس مجلة علمية أخري اسماها “أوزوريس ” لنشر الأبحاث المطولة نسبة إلي الأسطورة المصرية القديمة المعروفة باسم “ايزيس واوزوريس” مما يؤكد اعتزازه بالحضارة المصرية.
وأورد الكتاب شهادة ثالثة للمؤرخ اليوناني الشهير هيرودوت قال فيها : “إن معظم علماء الإغريق القدامي كانوا يقضون شطرا من حياتهم علي ضفاف النيل وايضا في بلاد ما بين النهرين”. وأشار الكتاب القيم بموضوعية وأنصاف إلي نبوغ المصريين القدماء في علوم كثيرة في الطب والهندسة والفلك والكيمياء وعلوم الأحياء والعمارة والصناعة وغيرها كثير مما أفاد الانسانية.
أحاول استدعاء حقب المجد في تاريخ مصر ليس للتباهي بما قدمه أجدادنا ، وليس للتباكي عليها ، وليس للتحسر علي أحوالنا المتردية . ولكن لتكون بمثابة حافز قوي لكل المصريين للعمل بكل جدية وإخلاص لتجاوز الظروف الصعبة المعاصرة .
Aboalaa_n@yahoo.com