من الكلمات التي توقفت أمامها واعتبرتها لب مسلسل العراف ما قاله النجم عادل إمام لرفيق سجنه “كنت أتمني أن أكون محترماً”.
جاءت الجملة تعقيباً علي حديث بينهما يذكر فيه العراف أنه قدم لأبنائه ما لا يحلمون به من مكانة اجتماعية ومادية وأنه أدي رسالته لكنه في النهاية لا يشعر بالاحترام الداخلي للنفس والشعور بالذات وهو شعور يظل ينشده الإنسان طوال حياته ويتمني أن يتحقق خاصة الذين حادوا عن طريقه وتحركوا في حياته بعيداً عن احترام النفس فنجدهم يتوقفون بإعجاب وحسد أمام أولئك المحترمين الحقيقيين الذين لا يشعرون بخطر هذه القيمة. وقد أشار القرآن إلي هذه الحقيقة حين اتجه رفيقا سيدنا يوسف إليه ليقصا عليه أحلامهما فقالا له “إنا نراك من المحسنين”.
إذن قضية احترام الذات من الملكات التي وضعها الله في الإنسان أياً كانت قيمة لأنها قضية الالتزام بهذه القيم التي أرتآها الإنسان علامة من علامات الإنسان الكامل. ولأن الله وضعها في الإنسان نجده يشعر بالنقص إذا غابت عنه مهما ارتفع أو تولي من مناصب وحقق من ثروات.
وإذا أردنا أن نتأمل هذه الحقيقة وعلاماتها من ناحية ثانية نجد أن المجتمع الذي يعيش فيه الانحراف يتأذي من وجود ملتزمين أو متمسكين بقيم عليا ويسعي إلي إقصائهم. وقد أشار القرآن إلي ذلك في حديثه عن قوم لوط الذين شاع فيهم الانحراف فنجدهم يقولون “أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون”. لأن الطهر هنا صار سبة. وأن هناك حرصاً شديداً من مثل هذه المجتمعات علي نبذ مثل هذه النماذج لأنها تصبح علامة نقص فيهم. ودليل عدم كمالهم. لذلك يتمنون أن تشيع الفاحشة والجريمة في المجتمع كله حتي لا يكون هناك أحد أفضل من الآخر. وهو ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالي: “إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدين والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون”. لأن المنافقين في المدينة بمجرد أن رأوا السيدة عائشة في هودجها علي الناقة التي يجرها أحد الصحابة أشاعوا عنها ما أشاعوا لأنهم يريدون أن يقولوا إن الجميع ملوث وأنه ليس هناك من هو كامل الطهر. وبالتالي فهم معذورون أو أنه لا حرج في ذلك. وفي الأمثال الشعبية التي تتناول هذه المعني “محدش أحسن من حد”. و”يارب لا تفرح حد واحنا حزانا”. و”لا تعايرني ولا أعيرك الهم طايلني وطايلك”. وكلها تتناول قضية أن احترام الذات هي غاية الجميع فإذا فشل البعض في الوصول إليها يظل في حالة من الشعور بالنقص فإذا يئس من الوصول إلي ذلك تمني أن يكون الجميع مثله.
في بعض المحاضرات التي ألقيتها عن أخلاقيات مهنة الصحافة كنت أقارن لشباب الصحفيين بين من يلتزم ومن لا يلتزم في بيئة سيئة تعطي أحياناً لغير الملتزمين حتي أصل إلي السؤال الذي أنتظره: وماذا يستفيد الذي مشي علي الشوك والتزم وضيق علي نفسه في مقابل من استفاد بالبيئة والجو. فكانت الإجابة: إن الملتزم يعيش في اتزان نفسي وشعور بعدم النقص. والآخر يحرم من ذلك. وهو ألم لا يدانيه ألم.