في القاموس الأبجدي لمعشر الأطباء، ثمةّ أعضاء يمكن للجسم البشري أن يعيش بدونها، فقد اصطلحت المجامع الطبية في عموم الكرة الأرضية ، وفق دراسات نظرية وتجارب عملية وتطبيقية، على أن الإنسان يستطيع العيش بدون أكثر من عشرة أعضاء ، إذا ما تعرض أحدها للتلف أو الاستئصال….
فقد يعيش الإنسان بكليةٍ واحدة، وبرئةٍ واحدة، وبدون طُحال ، وبدون قولون ، كفيف العينين، وبدون غدة درقية، وبدون زائدة دودية، وبدون مرارة ، وبدون أسنان العقل، وبدون أنف، وبدون رحم ، وبدون خصيتين، وبدون اللوزتين، وبدون تسعين بالمائة من المخ، ويعيش حيناً باتصال الأمعاء والبلعوم بديلاً عن المعدة، لكن لا يستطيع الإنسان العيش بدون قلب قولاً واحداً ، فتلك هي كبد الحقيقة ….
سأسقط هذه الومضة الربانية والحقيقة الطبية، على مئات الديانات التي يعتنقها البشر، واعتبار أن جسد الإنسان بكل أعضائه أشبه بتعدد الديانات، التي قد تُستأصل جميعها، عدا عضو واحد يظل نبضه مقياساً لبقاء الإنسان على قيد الحياة ، إنه القلب ، ذلكم المضخة، ذلكم وعاء الذاكرة، ذلكم ميزان العبد يوم القيامة إما إلى جنة وإما إلى نار…
ذلكم الإسلام ذلكم الإسلام ذلكم الإسلام….
تموت الخلايا أوتفتك بها البلايا والرزايا ولا يموت القلب، لأنه قلب الحقيقة، ونور السليقة، فأنّى للوجود الدنيوي أن يستقيم بدون قلب نابض، وأنّى للحياة الديمومة بدون روح، وبالإسلام يحيا كليهما، فلا حياة لبشر بدون نبض القلب، ولا ديمومة للأرض بدون نبض الإسلام ….
تموت الديانات الوضعية والمحرفة، ولا يموت الإسلام أبداً، ومهما طال ليل التحريف والتضليل، لابد من بزوغ فجر الإسلام…
ولاغرو أن الإسلام هو ذلك القلب الغني الثري بأوردة المجاهدين المرابطين، وأنسجة الصابرين المثابرين، فتتغذى شرايين الأقطار والأمصار، فلنعم الفاتحين…..
سقطت الخلافة الأموية حاضرة الإسلام في المشرق، فأحياها الله بعبد من عباده الأبرار ، على ثرى الأندلس في الغرب ، إنه عبدالرحمن الداخل صقر قريش..
سقطت الخلافة العباسية مأسوفاً عليها في بغداد بالمشرق على يد الطاغية التتري هولاكو عام 656 هجرية ، فولد في العام التالي مباشرة الفتى العظيم قطز، الذي أسداه الله للأمة، والذي سرعان ما اشتد ساعده بكل همة، ليخلص العالم الإسلامي من التتريين للأبد، في معركة عين جالوت المجيدة 1260م … كذلك يُنسج على منواله في ذات الحين تزامناً ومولداً ، عثمان بن أرطغرل الذي ضخ الشريان الأول في جسد العثمانيين عام 1299م، ليتمدد فيتكاثر فيتسع فيتربع على الأرض ، بمضخة الإسلام التي لا تنضب …..
سقطت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس عام 1492م في الغرب … فسنا بُرق الخلافة العثمانية في الشرق، إذ كان الفتح الميمون للقسطنطينية عام 1453م .. على يد المجاهد المغوار محمد الفاتح، وظل الإسلام شامخاً يدوي حواضر شرق ووسط أوروبا والبلقان قروناً تترى تحت المظلة العثمانية اليافعة، بجسارة سليم الأول وسليمان القانوني ومراد الأول وبايزيد الأول، وبراعة البحارة بربروسا ، كما كان عظيماً بالتوازي في الأندلس ، بسواعد الضراغم الأبطال المرابطون والموحدون والمرينيون، ومن قبلهم طارق بن زياد وعبدالرحمن الداخل….
سقطت حواضر الشام الإسلامية في قبضة الصليبيين ( الرُها وإنطاكية وبيت المقدس وطرابلس) .. فاستردت بفدائية محمودة لعماد الدين زنكي وابنه نور الدين محمود ، وصلاح الدين ، وبيبرس والأشرف بن قلاوون….
الإسلام هو قلب الحياة الدنيا ونبضها ومضختها ، الذي يستمر نبضه وإن أصابته هنة وضعف، الذي يضخ دماءه الحية السخية لسائر الأعضاء كطوق نجاة ودرعٍ واق، فإن أجابوه نجوا، وإن أبوا هلكوا واستُؤصلوا، وبما أنه سلطان الجسد بالمقياس الطبي، فهو سلطان الأرض بالمقياس الإسلامي، فهو القلب الذي انتصر بنبضه الحي على الخلايا الهشة للمرتدين المارقين، إبان خلافة الصديق، ويستمر نبضه الحي النقي لينتصر على كل أعضاء وخلايا الفرس والروم في خلافة الفاروق ، ويظل القلب نابضاً بالإسلام في شرايين الأرض بأعظم فتوحات للأمويين، ثم يستلهم نبض التوهج بثلاثة قرون مسلمة مثمرة، للعباسيين والسلاجقة والغزنويين والزنكيين والغوريين ،ثم ثمانية قرون في جزيرة أيبيريا، ثم ستة قرون زاهية للعثمانيين ، أما وقد أصابت هذا القلب صدمات وكدمات ، فايم الله ليعود نبضه ويعود مجده ويدوم عزه…
بعز عزيزٍ أو بذل ذليل…
ولنا مع الإسلام صولة وجولة قادمتين متلازمتين إلى يوم الدين